الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى الاكتفاء بالسبب من المسبب

صفحة 393 - الجزء 2

باب فى الاكتفاء بالسبب من المسبب

  وبالمسبب من السبب

  هذا موضع من العربية شريف لطيف، وواسع لمتأمّله كثير. وكان أبو على | يستحسنه، ويعنى به. وذكر منه مواضع قليلة. ومرّ بنا نحن منه ما لا نكاد نحصيه.

  فمن ذلك قول الله تعالى: {فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ}⁣[النحل: ٩٨] (وتأويله) - والله أعلم -: فإذا أردت قراءة القرآن؛ فاكتفى بالمسبّب الذى هو القراءة من السبب الذى هو الإرادة. وهذا أولى من تأوّل من ذهب إلى أنه أراد: فإذا استعذت فاقرأ؛ لأن فيه قلبا لا ضرورة بك إليه. وأيضا فإنه ليس كل مستعيذ بالله واجبة عليه القراءة؛ ألا ترى إلى قوله:

  أعوذ بالله وبابن مصعب ... الفرع من قريش المهذّب⁣(⁣١)

  وليس أحد أوجب عليه من طريق الشرع القراءة فى هذا الموضع.

  وقد يكون على ما قدّمنا قوله عزّ اسمه: {إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ}⁣[المائدة: ٦] أى إذا أردتم القيام لها، والانتصاب فيها.

  ونحو منه ما أنشده أبو بكر:

  قد علمت إن لم أجد معينا ... لأخلطنّ بالخلوق طينا⁣(⁣٢)

  يعنى امرأته. يقول: إن لم أجد من يعيننى على سقى الإبل قامت فاستقت معى، فوقع الطين على خلوق يديها. فاكتفى بالمسبّب الذى هو اختلاط الطين


(١) الرجز بلا نسبة فى كتاب الجيم ٣/ ٢١٦. وبعده:

* الراكبين كل طرف مثلب*

يقال: هو فرع قومه، للشريف منهم.

(٢) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (خلق)، وتاج العروس (خلق)، ويروى (لتخلطن) مكان (لأخلطن). الخلوق: ضرب من الطيب.