كتاب المنزلة بين المنزلتين
كتاب المنزلة بين المنزلتين
  أئمتنا $ والجمهور: والمعاصي صغائر وكبائر(١).
(١) قال السيد العلامة الحجة الحسين بن يحيى المطهر في القول السديد: هذا، واعلم أن أصحابنا اختلفوا في الكبائر، والصغائر ما هي؟. فبعضهم قال: إن كل عمد كبيرة لا تُكَفَّرُ إلا بالتوبة، والصغائر إنما هي الخطأ والنسيان ونحوهما. وبعضهم قال: إن الصغائر بعض العمد مجهولاً؛ لئلا يلزم الإغراء بالقبيح لو كانت غير مجهولة؛ لأن الإغراء به قبيح، والله مُنَزَّه عن فعله. ويَرِدُ على كلا القولين إشكالات: يرد على الثاني: أن الصغائر إذا كانت مجهولة كان قوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ}[النساء: ٣١]، عارياً عن الفائدة؛ لأنَّه إذا كان بعض العمد صغيرة مجهولة لزم أن بعضه كبيرة مجهولة، فكيف يدلنا على اجتناب الكبائر، ليكفر الصغائر ونحن لا نعرف كبيرة من صغيرة؟!. فإن قيل: قد بين الكبائر في الحديث، وهو قوله ÷: «الشرك بالله، وقتل النفس ...» الخ. قيل له: إما أن يكون الحديث شمل الكبائر؛ فتكون بقية المعاصي صغائر، لزم الذي فررتم منه وهو الإغراء بها. وإما أن لا يكون شملها كلها، فقد بقي اللبس الذي ذكرناه، فلم نعرف الكبائر التي نَدَبَنا إلى اجتنابِها لِيُكَفِّر عَنا الصغائر. ويرد على الأول: قوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ}[النساء: ٣١]، فجعل اجتناب الكبائر شرطاً في تكفير الصغائر، وقوله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ}[الأحزاب: ٥]، فدل على أن الصغائر غير الخطأ؛ لأنَّه قد رفع الجناح فيه بغير قيد. فأما هذا الإشكال فقد يجاب عنه بأن قوله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ} مطلق بغير شرط، وقوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ}[النساء: ٣١]، مقيد بشرط الاجتناب. ومن مذهبنا حمل المطلق على المقيد، جمعاً بين الآيتين. وليس المراد المطلق الاصطلاحي لكنه مثله، فكأنه قال: ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به بشرط اجتناب الكبائر. فإن قيل: فما فائدة قوله ÷: «الصلوات الخمس مكفرة لما بينهما» أو كما قال ونحوها. فالجواب: أنه لم يذكر أنّ اجتناب الكبائر مكفر، وإنما جعله شرطاً، فكأنه قال: الصلوات الخمس مكفرة بشرط اجتناب الكبائر، كما في بعض الروايات. فإن قيل: قد ورد أن الأمراض تكفر الذنوب، وتحت الخطايا نحو: «من وعك ليلة كفر عنه ذنوب سنة» ونحوه. فالجواب: إما أن نقول: إن الحديث الأول غير صحيح لأن الصلوات إنما هي إسقاط لواجب، فكيف تسقط بها الخطايا، أو تكفرها. أو نقول: إن الصلوات تسقط المؤاخذة على الصغائر، ولا يسقط ما قد يحصل بسببها من نقص الدرجات، والحسنات، وأن الأمراض تسقطها، وتكفرها حتى لا يبقى لها أي تأثير في تنقيص الدرجات. فإن قيل: فيلزم إذاً المؤاخذة على الصغائر التي هي الخطأ إن لم تجتنب الكبائر. قيل له: نعم. ألا ترى أن الله لم يسقط المؤاخذة عليها في الدنيا كما في أُرُوش جنايات الخطأ والضمانة في جناية الخطأ، ويكون عقوبة لأجل فعل الكبيرة، وقد =