ومن خطبة له # في الاستسقاء:
  ومصادقة الأحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك، وإياك ومصادقة الكذّاب فإنه يقرب إليك البعيد ويباعد عنك القريب، وإياك ومصادقة البخيل فإنه يقعد عنك أحوج ما تكون إليه، وإياك ومصادقة الفاجر فإنه يبيعك بالتافه اليسير.
  وروينا بالإسناد إلى السيد أبي طالب # بإسناده عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عن أبيه $ أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب # كتب إلى ابنه الحسن # بعد انصرافه من صفين إلى قناصرين(١):
  من الوالد الفان، المقرّ للزمان، المستسلم للدهر(٢)، الذامّ للدنيا، الساكن مساكن الموتى، الظاعن منها إليهم غدا، إلى الولد المؤمّل في دنياه ما لا يدرك، السالك في الموت سبيل من هلك، غرض الأسقام، ورهينة الأيام، وقرين الأحزان، ورمية المصائب، وتاجر الغرور، وغريم المنايا، وأسير الموت، ونصب الآفات، وخليفة الأموات. أما بعد، يا بني: فإن فيما تبينت من إدبار الدنيا عني، وجنوح الدهر عليّ، وإقبال الآخرة إليّ ما ينزع بي عن ذكري سواي، والاهتمام بما ورائي، غير أني تفرّد بي دون هموم الدنيا همّ نفسي، فصدقني رأيي، وصرفني عن هواي، وصرّح لي محض(٣) أمري، وأفضى بي إلى جدّ لا يزري بي لعب، وصدق لا يشوبه كذب. وجدتك يا بني بعضي، بل وجدتك كلي، حتى كأن لو شيئا أصابك أصابني، وحتى لو أن الموت أتاك أتاني، فعناني من أمرك ما يعنيني من أمر نفسي، كتبت إليك كتابي هذا إن بقيت أو فنيت.
  أوصيك بتقوى الله، ولزوم أمره، وعمارة قلبك بذكره، والاعتصام بحبله، فإن الله تعالى يقول: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا}[آل عمران: ١٠٣] وأي سبب أوثق من سبب يكون بينك وبين الله، فأحي قلبك بالموعظة،
(١) في النهج والأمالي (حاضرين)، وهو: اسم بلدة في نواحي صفين.
(٢) (أ) في المنن: للحدتان.
(٣) في النسخ (فحص).