ذكر طرف من أخباره وبيعته #:
  هذا المال الجسيم لأجل عبد هرب، ولا جمعوا من وجوه هذه الأمصار من ترى، ليشهدوا عندك بالزور، فابعث من تثق به يسأل عني في هذه الأمصار وفي غيرها من أنا حتى تكون على يقين من أمرك، فقال جستان وكانت نيته قد فسدت بهذه الأسباب: هذا يطول، ما كان هؤلاء ليشهدوا عندي بالزور، فقال: إنهم مكرهون على الشهادة، وإنّ من أبى منهم قتل، فاجمع بيني وبينهم، فقال: أفعل هذا، فلما اجتمعوا عليه قام فقال: الحمد لله على ما أولانا من نعمة وأبلانا من محنة، وأكرمنا بولادة نبيه ÷ محمد، وعلى جزيل ما أولى، وجميل ما ابتلى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله انتخبه واصطفاه، واختاره واجتباه ~ وآله أجمعين أما بعد: معاشر العرب فإنكم كنتم من الدنيا بشر دار، وضنك قرار، ماؤكم أجاج، وأكلكم لماج(١)، من العلهز(٢) والهبيد(٣)، الأعاجم لكم قاهرة، وجنودهم عليكم ظاهرة، لم يمنعهم من تحويلكم من بلدكم إلا قلة خير بلدكم، أنتم مع الدنيا بمنزلة السّقب(٤) مع الناب الصعبة الضروس متى دنا إليها لينال من درّها منعته، إن أتاها من أمامها خبطته، أو من ورائها رمحته، أو من عرضها عضّته، فما عسى أن يصيب منها هذا على تفرق شملكم، واختلاف كلمتكم، لا تحلّون حلالا، ولا تحرمون حراما، ولا تخافون آثاما، قد ران الباطل على قلوبكم فلا تعقلون، وغطت الحيرة على أبصاركم فما تبصرون، وأسكت الغفلة أسماعكم فما تسمعون، على أن عودكم نضار، وأنتم ذو الأخطار، ثم منّ الله عليكم وخصكم دون غيركم، فبعث فيكم محمدا ÷ منكم خاصة، وأرسله للناس كافة، وجعله بين أظهركم ليميز به بينكم، وهو تعالى أعلم بكم منكم بأنفسكم،
(١) اللّمج: الأكل بأطراف الفم. القاموس ص ٢٦١.
(٢) العلهز: طعام من الدوم والوبر. القاموس ص ٦٦٦.
(٣) الهبيد: الحنظل. القاموس ص ٤١٨.
(٤) السقب: ولد الناقة. القاموس ص ١٢٤.