الحدائق الوردية في مناقب أئمة الزيدية،

حميد بن أحمد المحلي (المتوفى: 652 هـ)

أولاده #:

صفحة 369 - الجزء 1

  من حيث جاء، ووقف في موقفه وهو ينفخ وينفض علق الدم من درعه.

  ثم دعا غلاما له فوجهه في نفر من أصحابه وأمره أن يمضي حتى يصير من وراء العسكر. ثم يحمل عليهم لا يكذب، فمضى الغلام لوجهه مع من هو معه قاصدا لما أمره، ووقف أبو السرايا على القنطرة على فرس أدهم محذوف، وقد اتكأ على رمحه فنام على ظهر الفرس حتى غط وأهل الكوفة جزعون مما يرونه من عسكر زهير ويسمعونه من تهددهم ووعيدهم وهم يصيحون ويضجون بالتكبير والتهليل حتى يسمع أبو السرايا فينتبه من نومه فلم ينتبه حتى ظن أن الكمين الذي بعثه قد انتهى إلى حيث أمره فصاح بفرسه فبال⁣(⁣١)، ثم قنّعه حتى رضى تحفره، ثم أومى بيده نحو الكمين الذي بعثه وصاح بأهل الكوفة: احملوا، وحمل وتبعوه فلم يبق من أصحاب زهير أحد إلا التفت نحو الإشارة. وخالط أبو السرايا وغلامه سيّار العسكر وتبعه أهل الكوفة وصاح بغلامه: ويلك يا سيار ألا تزأر، فحمل سيار على صاحب العلم فقتله وسقط العلم، وانهزمت المسودة، وتبعهم أبو السرايا وأصحابه ونادى من نزل عن فرسه فهو آمن، فجعلوا يترجّلون وأصحاب أبي السرايا يركبون ويتبعونهم حتى جاوزوا شاهي، ثم التفت زهير إلى أبي السرايا فقال له: ويحك أتريد هزيمة أكبر من هذه؟ إلى أين تتبعني؟

  فرجع وتركه. وغنم أهل الكوفة غنيمة لم يغنم أحد مثلها، وصار إلى عسكر زهير ومطابخة قد أعدت وأقيمت، وكان قد حلف أن لا يتغدّى إلا في مسجد الكوفة، فجعلوا يأكلون الطعام وينتهبون الأسلحة والآلة، وكانوا قد أصابهم جوع وجهد شديد، ومضى زهير لوجهه حتى دخل بغداد مستترا، وبلغ خبره الحسن بن سهل فأمر بإحضاره فأحضر، فلما رآه رماه بعمود حديد كان في يده فشتر إحدى عينيه، وقال لبعض من كان بحضرته: أخرجه فاضرب عنقه، فلم يزل يكلّم فيه حتى عفى عنه.


(١) في المقاتل: فصاح بفرسه: قتال. وفي (أ): قبال.