الحدائق الوردية في مناقب أئمة الزيدية،

حميد بن أحمد المحلي (المتوفى: 652 هـ)

ذكر نكت من كلامه #:

صفحة 14 - الجزء 2

  فمن سرّه أن يشهد بالجميل والإحسان فليشهد التي منها يتناقلان، ثم ليظهر منها ما يسير في الآفاق خبره، ويعظم بها في الناس خطره، ثم ليقوّم من نفسه بحسن التعاهد لها أودها، وليأخذ منها لها ما تزين به غدها، فإن الأخلاق إذا سمحت، والعلانية والسريرة إذا صحت، كانت غنائم يرتحل إليها المرتحلون، وأحاديث حسنة ينقلها الناقلون، وتبجيلا لصاحبها في العالمين، وغبطة⁣(⁣١) يغتبط بها يوم الدين.

  والواجب في الأخلاق أكثر من الواجب في الأموال، وأفضل في جميع الأحوال، وإنما يعظّم ذو المال ما كان موئلا، فإذا تخرّم ماله عاد دحيرا قليلا، والأخلاق لا يبلى جديدها، ولا يطيش سديدها، وفضل صاحبها باق في حياته وبعد وفاته، والمال ثوب تخلق جدته، وتسمل سداه ولحمته. وأحق الأشياء بالصون العرض⁣(⁣٢) الصحيح، والحسب الصريح. ومن آتاه الله قلبا ذكيّا وزنادا وريّا وخلقا مرضيّا، وسخى مذكورا، وعقلا زكيّا، وفهما رضيّا، وعلما بتقلب الأحوال وتصرف الأيام والليال، ولسانا يؤدي إليهما معرفة خلف الأزمان، ويمتهنه فيما يعود على نفعه كل الامتهان، ثم زمّ نفسه عن الكبرة، واعتاض من التجبر حسن العشرة، وقل افتخاره عند مناظرته، ولم يستدع نظيره إلى مباحثته، ولم يجار المجاري⁣(⁣٣) له من طبقاته في طريق مساواته، ولم يخرج من القول إلى ما لا يعلم ولا من الفعل إلى ما يستعظم، فقد شرى لنفسه محمدة الحاضر والباد، واجتهد لنفسه في مصلحته أشد الاجتهاد، واستحق التعظيم من جميع من ضمته أقطار البلاد، واجتمعت له الطرائق السمحة، وراحت عنه المذاهب المستقبحة، وجرى عليه اسم الخيرة، ونظرته بالنواظر المبجلة كل عين مبصرة، وحاز حد


(١) سقط من (أ) وغبطة. والغبطة بالكسر: حسن الحال والمسرة. قاموس.

(٢) في (أ) العريض.

(٣) في (أ) ولم يجاز المجاري.