الحدائق الوردية في مناقب أئمة الزيدية،

حميد بن أحمد المحلي (المتوفى: 652 هـ)

ذكر نكت من كلامه #:

صفحة 18 - الجزء 2

  أما بعد: فيا بؤسا من مخالف خاسر، وخائن غادر!، أما إنك عن قليل، تهجم على البلاء الطويل، فتدارك نفسك إذا عرّضتها للمهالك، واسلك⁣(⁣١) الطريق الواضح من المسالك، ولا تطمعها⁣(⁣٢) في راحتها أيام حياتها، واستطرف لها النصب، واحملها على التعب، لما ترجو أن تصير إليه من الراحة غدا، فكأنك قد دعيت فأجبت، فاعمل لنفسك ما دمت في مهلة، وفّقنا الله وإياك لما يحب ويرضى.

  أما بعد: فاحذر على نفسك ختر الدنيا ومكرها، وخدعها وغدرها، فإنها متبرجة لطلابها فاحذرها، لا تكن لها قتيلا، والتمس لنفسك⁣(⁣٣) للنجاة منها سبيلا، وانظر لنفسك أيام مكثك فيها، واعلم أنها مرحلة سكانها، وأن متاعها قليل، وخطبها جليل، ونعيمها زائل، وخيرها مائل.

  أما بعد: فكن في سفرك مرتادا، وهيئ عدة وزادا، فكأنك قد خرجت من روح الدنيا إلى ضيق اللحد وخشونة متكئة⁣(⁣٤)، فتيقظ من نومة الغافلين، وانتبه من وسنة الجاهلين، وانظر بعينك إلى مصارع المغترين، ومضاجع المستكبرين، أليس ديارهم خالية، وأجسادهم بالية، ومساكنهم مقفرة، وعظامهم نخرة، وعروقهم بالية، وأيامهم فانية؟.

  أما بعد: فإنك لو رأيت يسير ما بقي من عمرك وأجلك لزهدت في طول ما ترجو من أملك، ورغبت في الزيادة من عملك؛ فإنك إنما تلقى غدا في حفرتك، وتخلى في وهدتك⁣(⁣٥)، ويتبرأ منك القريب، ويتسلى منك الحبيب، فلا


(١) في المجموع «واسلك بها».

(٢) في (أ) تطعها.

(٣) سقط من (أ) والتمس لنفسك.

(٤) في المجموع «المتكا».

(٥) الوهدة: الهوة تكون في الأرض.