الحدائق الوردية في مناقب أئمة الزيدية،

حميد بن أحمد المحلي (المتوفى: 652 هـ)

ذكر طرف من مناقبه وأحواله #:

صفحة 127 - الجزء 2

  بخط يده وأطنب في وصفي ورفع عن قدري، حتى كنت أستحي من إيصال ذلك الكتاب، فأوصلت الكتاب إلى قاضي القضاة، فقال: مرحبا بالشريف، فإذا شاء افتتح المختصر ولم يزد على ذلك، ولا زارني بنفسه مع تقاعدي عنه من الغد، ولا أزارني أحدا من أصحابه، فعلمت أنه اعتقد في كتاب الصّاحب أنه صدر عن عناية صادقة لا عن حقيقة، فقعدت عنه حتى كان يوم الجمعة حضرت الجامع بعد الظهر ومجلسه غاص بكبار العلماء فقد كان الرجل مقصودا من الآفاق، فسئل القاضي أبو أحمد مسألة كلامية وكان لقي أبا هاشم، فقلت: لما توسط في الكلام إن لي في هذا الوادي مسلكا، فقال: تكلم، فأخذت في الكلام وحققت عليه المطالبات، ثم أوردت أسئلة عرقت فيها جبينه، فامتدت الأعين نحوي، فقلت بعد أن ظهرت المسألة عليه: يقف على فضلي القاضي. وسئل شيخ إلى جنبه عن مسألة في أصول الفقه، فلما أنهى السائل ما عنده قلت: إن لي في هذا الجو متنفسا، فقال القاضي: والأصول أيضا؟! فحققت تلك المسألة على ذلك الشيخ فظهر ضعفه فسامحته. وسئل شيخ عن يساره عن مسألة في الفقه، فقلت: إن لي في هذا القطيع شاة، فقالوا: والفقه أيضا؟ فأوفيت الكلام في تلك المسألة أيضا حتى تعجب الفقهاء من تحقيقي وتدقيقي، فلما ظهرت المسألة كان المجلس قد انتهى، فقام القاضي من صدره وجاء إلى جنبي، فقال: أيها السيد، نحن ظننا أن الصدر حيث جلسنا فإذا الصدر حيث جلست، فجئناك نعتذر إليك من تقصيرنا في بابك، فقلت: لا عذر للقاضي مع استخفافه بي مع شهادة الصاحب بخطه، فقال: صدقت لا عذر لي، ثم عادني من الغد في داري مع جميع أصحابه وبالغ في التواضع، فحضرته فقرأت عليه الأخبار المودعة في المختصر فسمعتها بقراءته وأمدني بأموال من عنده فرددتها، ولم أقبل شيئا منها وقلت: ما جئتك عافيا مستمنحا، فقد كان حضرة الصاحب أوفى حالا وأسهل منالا، ولم يكن هناك تقصير في لفظ ولا تفريط في لحظ، ففارقته فشيعني مع أصحابه مسافة بعيدة