الحدائق الوردية في مناقب أئمة الزيدية،

حميد بن أحمد المحلي (المتوفى: 652 هـ)

ذكر طرف من مناقبه وأحواله #:

صفحة 126 - الجزء 2

  بحرا يقذف بالدرر، وجونا⁣(⁣١) يهطل بالدرر، لم يبق فن إلا وقد بلغ فيه الغاية وأدرك النهاية. قال مصنف سيرته - قدس الله روحه⁣(⁣٢): كان عارفا باللغة والنحو متمكنا من التصرف في منظومها ومنثورها. وكان يعرف العروض والقوافي ونقد الشعر، وكان فقيها بارعا متقدما فيه مناظرا، وكان متقدما في علم الكلام وأصول الفقه حتى لا يعلم أنه في أي العلوم الثلاثة كان أقدم وأرجح، ولم يبلغ النهاية في العلوم الثلاثة غيره، وإنما تقدم في علم أو علمين، وكان قد قرأ على الشيخ المرشد أبي عبد الله البصري، ولقي جميع علماء عصره واقتبس منهم وعلق زيادات الشرح بأصفهان عن قاضي القضاة بقراءة غيره.

  وحكي عن الشيخ أبي رشيد أنه قال: لم أر السيد أبا الحسين منقطعا قط مع طول مشاهدتي له في مجلس الصاحب، وكان لا يغلب إن لم يغلب، وكانا يستويان إن لم يظهر له الرجحان، وذكر بعض من صنف في أخباره أن الصاحب الكافي قال ذات ليلة للحاضرين: ليذكر كل واحد منكم أمنيته، فذكروا، فقال:

  أما أنا فأتمنى أن يكون السيد أبو الحسين حاضرا، وأنا أسأله عن المشكلات وهو يبينها لي بألفاظه الفصيحة وعباراته المليحة، وكان فارقه إلى أرض الديلم.

  ويحكى أن يهوديا متقدما في المناظرة والمجادلة قدم على الصاحب، فاتفق أنه حضر مجلس الصاحب فكلم اليهودي في النبوءات حتى أعجزه وأفحمه، فلما قام من المجلس ليخرج، قال له الصاحب: أيها السيد أشهد أنك أوتيت الحكمة وفصل الخطاب⁣(⁣٣). وحكي عنه - قدس الله روحه أنه قال:

  عزمت على أن أسافر إلى الأهواز للقاء قاضي القضاة أبي أحمد بن أبي علان وسماع مختصر الكرخي عنه، فأنهيت إلى الصاحب ما وقع في قلبي، فكتب كتابا


(١) في (أ): سليلة مستديرة مغشاة تكون مع العطارين. مختار الصحاح ص ١١٨.

(٢) سيرة الإمام المؤيد ص ٥.

(٣) سيرة الإمام المؤيد ٦.