ذكر نكت من كلامه #:
  وربما دعاه إلى السعي في مصالح الناس والتحري لمنافعهم فيدعوه ذلك إلى مخالطة الكبراء(١) وملازمة الرؤساء ومداخلة الملوك وحواشي الملوك حتى يجالسهم ويأنس بهم ويأنسوا به، فيفارق ما كان فيه، ويضيع ما كان يطلبه وينتخبه، ويغلب الهوى عقله، ويجد الشيطان إلى استهوائه جددا لا حبا وطريقا لائحا، وهذه الجمل أكثر ما تعرض للمبتدئين منهم، والذين لم يألفوا حلاوة مقصدهم ولم يأنسوا بمطلبهم وإن كان الجميع منها على خطر.
  والقاطع الثاني: هو أن يفتره الشيطان عن اجتهاده، وحمله النفس على المكاره في معاملته، بأن يورد عليه من الآفات ما يتعاطاه وغيره(٢) كالعجب والرياء، وما يجري مجراهما، ويوهمه أن اجتهاده ضائع، وربما أوهمه أن الضرر عليه في الاجتهاد أعظم من الضرر في تركه، لأنه إذا تركه سلم من الرياء والعجب، وإذا أخذ نفسه به لم يسلم منهما، فيضعف متنه ويوهن عزمه ونيته فيفتر عنه، ومتى فتر غلب هواه عقله، ورده على عقبه خائبا يائسا، ولم يزل به حتى يسلخه من الإرادة ويخرجه من جملة أهلها، وهذا الثاني أكثر ما يعرض لمن يخالط أهل التصوف من الإشارات والعبارات، فليحذر المريد جميع ذلك كل الحذر، وليدفع بجهده ما يجد من ذلك في خاطره وهمه، ويستغيث بالله ø إنه خير مغيث. وربما أوهمه العدو أن الاجتهاد والطلب لا يظفران بالمطلوب، ولا يوصلان إلى المقصود وأن الوصول عطية يعطيها الله تعالى من يشاء، وأن الطلب ربما كان حجابا بين الله وبين عبده، لأن العبد إذا نظر إلى الطلب وسكن إليه كان ذلك سببا للقطع فيذهله ذلك(٣) (عن المجاهدة، ويورثه فتورا عظيما يقطعه لذلك)(٤)، وهذا إنما يعرض في الأكثر لمن يعاشر أهل التصوف على ما بيناه.
(١) في (أ): الكثير.
(٢) في (أ): وعيوبه.
(٣) في (أ): لقطع المريد فيذله بذلك.
(٤) ما بين القوسين ساقط من (أ).