ذكر نكت من كلامه #:
  واعلم وفقك الله إلى الخير أن للشيطان كيدين يقطع المريد بكل واحد منهما عن سيره وقصده، ويرده عن طريقه ونهجه، ولكل واحد من الكيدين(١) تفاصيل نحن نذكر جملها ليعرفها المريد ويحذر منها كل الحذر. فأحد الكيدين القاطعين له عن غرضه: أن يدعوه إلى القرب التي هي النوافل، وهي له في الحقيقة قواطع وشواغل، وذلك نحو أن يدعوه إلى تحصيل المال، ويوهمه أن يسد به خلة أهل الفقر والمسكنة ويعود به على الأرامل والأيتام، ويصلح الجسور والقناطير، ويبني به المساجد ويستعين به على الحج والغزو، فإذا سوّل له ذلك زيّن له الشح، وشغله بالجمع حتى يعود تاجرا إن كان من التجار، أو نائبا إن كان من أهل النيابة، أو عامل السلطان إن كان من العمال. فإذا شغله بذلك حال بينه وبين همه وصرفه عن طريق المجاهدة، ثم يوشك أن يغلبه الهوى أو يرده على عقبيه وربما دعاه إلى الاشتغال بجمع العلوم، وأوهمه أنه يقمع به الملحدة(٢)، ويستنقذ به الضّلال من الضلالة، والجهال من الجهالة، فيختلط بالعلماء والمتعلمين، وأكثرهم مائلون(٣) إلى الدنيا - خاصة في زماننا هذا - فيتخلق بأخلاقهم ويتحلى بحليتهم، فيدخل معهم في المنافسة وطلب الرئاسة.
  وقد روي أن الله تعالى أوحى إلى داود صلّى اللّه عليه: يا داود لا تجعل بيني وبينك عالما مفتونا بالدنيا فيصدك عن طريق محبتي، أولئك قطّاع عبادي المريدين، إن أدنى ما أنا صانع بهم ان أنزع حلاوة مناجاتي من قلوبهم، فيعادي على ذلك ويوالي، ويستعمل بذلك قلبه ويهبح فكره وينسى طريقه ويهجر ما كان آثره، فيتمكن منه الهوى والشيطان، فيدحض قدمه ويزيله عن سواء السبيل.
(١) في (أ) ساقطة: من الكيدين.
(٢) في كتاب سياسة المريدين بزيادة: «ويهدي به المسترشد».
(٣) في (أ): ما يكون.