السيد أبو طالب الأخير #
  والتوكيل لمن يرى التوكيل والتنكيل لمن يستأهل التنكيل، ويأخذ من يطلب الكفيل، ويضيّق على من يلزمه الإرهاق والتضييق، ويخفّف من يحق له التخفيف والترقيق، فإن ظهر إعسار المحبوس: {فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[البقرة: ٢٨٠].
  وآمره أن يتخير الأوقاف عند فقد من ولاه الواقفون أو خيانتهم من يثق بأمانتهم، فيوليهم أمرها، ويتعرّف كلّ حين خبرها، فإن وجد على طريق النصفة قرّرها في يده، وإن مال إلى المعسفة سعى في إصلاح أوده، أو صرفه عن عنده، فالأوقاف صدقات لا يصلح لإمساكها إلا الصادقون، ولا يعزل(١) عنها إلا الفاسقون، فاتقوا الله: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ}[النحل: ١٢٨].
  وآمره أن لا يستكتب إلا من كانت معارفة قوية وبصائره سوية وديانته قويمة وإصابته عزيمة ومطامعه كريمة دون من يفتر عن الجشع، أو يغتر عن الطمع.
  وآمره بأن يقرر حكومات من كان قبله من قضاة المسلمين، وأن لا يتعرّض لشيء منها بالتغيير والفسخ، والتبديل والنسخ، ما لم يخالف نصّا من الكتاب والسنة مقطوعا أو إجماعا قد خالفوه مفرقا أو مجموعا، حينئذ يدفع عنه ما كان مدفوعا، ويرفع ما صار مرفوعا، من تعرّض لحكم من قبله بالنقض من غير حجة داعية إلى الدحض، فليوطّن نفسه على مثل صنيعه، وليرض بمثل تقطيعة، وكمن يؤذن بالانقضاء إلى يوم فصل القضاء، فالاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد، والظن لا يتعرض على الظن الواقع بالإشهاد {كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ٣٨ إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ}[المدثر: ٣٨ - ٣٩].
  هذا ما عهد الإمام الحق أبو طالب يحيى بن أحمد بن الحسين الهاروني
(١) في (أ): يعتزل.