الحدائق الوردية في مناقب أئمة الزيدية،

حميد بن أحمد المحلي (المتوفى: 652 هـ)

ذكر بيعته #، وانتصابه للأمر العام ومنتهى عمره #

صفحة 298 - الجزء 2

  وكان من كلامه # في بعض الأيام بناحيتهم في موضع يعرف بجرن القيل في سائلة مقرا، وقد تحقق خيانة بعض من يتصرف عن أمره من الفرقة الشقية المطرفية فقال: وقد علمت أن البيضة لم تنحفظ والفسق لم يترفّض إلا بالجند، والجند لا يستقيم إلا بالمال، والمال لا يؤخذ إلا من الرعية، والرعية لا تجمع على الانقياد للحق إلا بطرف من الشدة، نعم أنعم اللّه عليك، ومع ذلك فإنهم لو أهملوا لذهب الدين والمال، وانكشف الغطاء، وساءت الحال، وشغلوا عن القيل والقال، ولكنهم تفيّئوا في ظل الحق فبغوا للحق⁣(⁣١) الغوائل، وجادلوا بالباطل، وهو كاسمه باطل، فلو ضغمتهم نيوب الباطل، وخافتهم المخالب، لصيّحوا صياح الثعالب، وقالوا: ليس لها إلا ابن أبي طالب، أين عمارة الوهاب من عنس؟ وأين زرعة من آنس؟ شتان ما بين الحمار والفرس، وتقلبوا في ذكر المناقب، وشهدوا بها من كل جانب، فأنا صاحبهم بالأمس وغدا، أوطأتهم واضح منهاج الهدى، لم أتدنّس باحتكار المال، ولا حالت بي عن سنن الاستقامة الحال، وهم يذكرون إتيان الملأ منهم، ولولا خشية التطويل لذكرناهم يعرضون علينا نصف المال، ويلزموننا القيام على تلك الشدائد والأهوال، حتى إذا فقأنا عين الفتنة بعد جذورها، وأخمدنا نار الضلالة بعد ظهورها، وتركنا روض الصريمة ليعفورها، ونصبنا منار الحق على أعلامها وفورها، فمن لأقف للمال كالهر اللّبق، وطالب أحمال رجل لا تعق، وقائل إن السهاد قد لعق، فقلت:

  أبشر فالسّكيت قد لحق، واحفظ عرى الدين لئلا يمحق. فلما فاءت فئة الباطل وأجلت⁣(⁣٢) وأصدقت زاغت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر وظن كثير من الناس باللّه الظنونا هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا، فمن


(١) في (ب): وتفيئوا في ظل الحق الغوائل.

(٢) في (ب) سقطت: وأصدقت وأخليت.