مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

نبذة عن الكتاب

صفحة 22 - الجزء 1

  «وقال حشوُ هذه الأمة المختلف الذي لا يفقه ولا يتصرف: قرار الأرض زعموا على ظهر حوت، ونعتوا حوتها في ذلك بألوان من النعوت. وأشبه هذه الأقوال عندنا بالحق، وأقرب ما قيل به فيها من الصدق - أن يكون ما تحت الأرض خلاء منفهقاً، أو هواء من الأهوية منحقفاً، ليس فيهما لسالكهما رد يرده، ولا للمقبل والمدبر فيهما صدٌّ يصده؛ لقول الله سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ٣٣}⁣[الأنبياء]».

  فانظر إلى وصفه لما تحت الأرض بأنه قد يكون خلاء منفهقا أو هواء من الأهوية منحقفاً؛ ففرق بين الخلاء والهواء، ولم يعلم البشر أن بعد الهواء خلاء لا يوجد فيه شيء من الهواء إلا في العصر الحديث وإلا فإنهم كانوا يظنون أن هذا الهواء ممتد إلى السماء.

  وأيضاً انظر لقوله: «ليس فيهما لسالكهما رد يرده، ولا للمقبل والمدبر فيهما صد يصده» وكأنه يصف ما يسمى الآن بالجاذبية؛ لأنه إذا كان ما تحت الأرض لا يرد السالك فيه شيء من خلفه يرده إليه، أي: لا يوجد ما يسحبه إليه فيسير في الفضاء سابحاً، ولا للمقبل والمدبر فيهما صد يصده والصد يكون من الأمام فكأنه يصف كيف تسير الأجسام إذا خرجت من الغلاف الجوي؛ لأن السالك فيما تحت الأرض لا يمنعه شيء عن الحركة لا من أمامه ولا من خلفه.

  وكذلك في قوله: «إذ توجد بالعيان الأفلاك تمر من تحت الأرض دائرة، وتخفى بممرها تحتها وتظهر عليها سائرة» وهذا يشير فيه إلى أن الأرض كروية.

  ثم يقول: «ولا يمكن أن يكون مسيرها تحتها ومقبلها ومدبرها إلا في خلاء أو عراء أو هواء أو ماء، وأي ذلك ما كان مسيرها فيه احتاج مَن على الأرض من ساكنها إلى ما جعلهم محتاجين إليه، من تثقيل قرارهم بما ثقله الله من رواسي الجبال وغيرها مما ثقلها به سبحانه مما عليها من الأثقال» وهذا أيضاً مما اكتشفه