مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

وله أيضا # رسالة إلى بعض بني عمه

صفحة 303 - الجزء 2

وله أيضاً # رسالة إلى بعض بني عمه

  

  الحمد لله وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم.

  أمتعك الله من نعمه وحوطها، ومنعك من مذموم الأمور ومسخوطها، بما أمتع به أهل رحمته ونعمته، ومنع به من المكاره أهل توفيقه وعصمته، ومن عليك من تقوى الله وإيثارها ورفض الدنيا واحتقارها بما من به على من آثره وأجل أمره فوقره، فإن مما أمر الله به من رفض الدنيا واستقصارها دليل ممن فعله على إيثار الآخرة وإكبارها، وإن رفض الدنيا والإعراض عنها دليل ممن فعله على الإقبال على الآخرة والاستكثار منها.

  وكذلك التمسك ببغض الدنيا ومقتها دليل ممن فعله على إكرام الآخرة ومحبتها، وعلى قدر يقين أولياء الله بما عظم من أمر الآخرة وأمورها زهدوا في الدنيا، فاستقلوا - جهدهم - من متاع غرورها، فتبلغوا إلى الله بالعلق، واكتفوا من نعيمها باللعق؛ إكباراً لما وجدوه فيها إجلالاً لله من السخط، ولما عليه العباد فيها من الإعراض عن أمر الله والفرط، ولما رأوا الباطل يسمو علواً، وحق الله فيها معطلا مجفواً - صحبوا أيام حياتهم بالحرق والزفرات، وهجروا ما أحل الله لهم فيها من الطيبات، وأعرضوا من الدنيا عما أعطاهم، ولم يعطه من أهل الدنيا بتحليله له سواهم، ولم يجعله حلالاً فيها إلا لمن اهتدى إلى الله هداهم، وأيقن فيها بالله يقينهم، ودانه في إيثار الحق دينهم، فحقيق بذلك منهم لسخطهم فيها على من أسخط ذا الجلال والإكرام، أولا تعلم - أغناك الله - أن من أسخط لنفسه من الآدميين ليشتغل عن كثير من المطعم والمشرب والكلام، لما هو فيه من الشغل بحرقه وأسفه وسخطه، حتى ربما ذهب سخط بعضهم في ذلك بعقله