مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[معنى: ثم استوى على العرش]

صفحة 269 - الجزء 1

[معنى: ثم استوى على العرش]

  وسألته عن تأويل قول الله : {الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}⁣[الأعراف: ٥٤]، ما وجه استوى؟ وما معناه؟

  فقال: تأويله: ملكه للأشياء وارتفاعه عليها واعْتِلَاؤه، كما يقول القائل: استوى فلان على ملك فلان واستوى، يريد مَلِك ما كان يملك فلان كله سواء.

  وكذلك يقول إذا ملك ملكه: قعد على عرش فلان وجلس، وليس يريد أن عرشه مقعد له ولا مجلس. وقد يكون العرش لكل شيء سقفه وأعلاه، كما جعل الله أعلا ما خلق من السماوات منتهاه. فأي هذا كله قال به في⁣(⁣١): {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}⁣[يونس: ٣] قائل لم يخط في تأويله به قائلٌ ولا متأول.

  فأما ما يذهب إليه الجاهل من أن العرش لله مقعد وحامل، تحيط به أقطاره وتحويه أقداره - فلا يجوز في الألباب تأويله على رب الأرباب، ومَن تأوَّل ذلك في الله فهو من الجاهلين بالله، فنعوذ بالله من الجهل به وبجلاله، ومن القول بذلك فيه وأمثاله، وحسبنا الله لا إله إلا هو عليه توكلنا وهو رب العرش العظيم.

  وإذا كان العرش كما قال الله مربوباً، وكان الله له رباً مبتدعاً - لم يخل من أن يكون لله خلقاً وصنعاً، وإذا كان ذلك كذلك، وعلى ما يقول الجهلة في ذلك - كان الله قبله، وكان الله إذ لم يكن العرش قديماً ولا عرش له، فدخل عليهم في ذلك ما أخزاهم، وبَيَّن جهلهم فيه وعماهم، وأظهر كذبهم فيه وافتراهم، وقلة


(١) في (ب): في مثل استوى.