[الدليل على أن أفعال العباد منهم]
  فاغتروا بحلمه عنهم حتى افتروا عليه، فزعموا أنه أمر بما لا يريد ونهى عما يريد، وأن رسله À خالفوه فيما أراد، وأن إبليس عليه غضب الله وافقه فيما أراد، وذلك أنهم زعموا أنه أراد الكفر من كثير من عباده، وأرسل إليهم رسله يدعونهم إلى الإيمان، وهو خلاف ما أراد من الكفر، وأن إبليس دعاهم إلى الكفر وهو ما أراد منهم، فكان إبليس - في قولهم - لله جل ثناؤه فيما أراد موافقاً، وكان رسول الله ÷ فيما أراد من ذلك مخالفاً، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً](١).
[الدليل على أن أفعال العباد منهم]
  والدليل على أن ما فعلوا من طاعة الله ومعصيته فعلهم، وأن الله جل ثناؤه لم يخلق ذلك - إقبالُ الله تبارك وتعالى عليهم بالموعظة والمدح والذم والمخاطبة والوعد والوعيد، وهو قوله جل ثناؤه: {فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ٢٠}[الانشقاق]، وقوله: {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}[النساء: ٣٩]، ولو كان هو الفاعل لأفعالهم الخالق لها لم يخاطبهم ولم يعظهم، ولم يَلُمهم على ما كان منهم من تقصير، ولم يمدحهم على ما كان منهم من جميل وحَسَن، كما لم يخاطب المرضى فيقول: لِمَ مرضتم؟ ولم يخاطب العميان فيقول: لم عميتم؟ ولم يخاطب الموتى فيقول: لم متم؟ ولم يخاطبهم على خلقهم فيقول: لِمَ طُلتم ولِمَ قَصُرتم؟ وكما لم يمدح ويحمد الشمس والقمر والنجوم والرياح والسحاب في مجراهن(٢) ومسيرهن. وإنما لم يمدحهن ويحمدهن لأنه جل ثناؤه هو الفاعل ذلك بهن، وهو مصرفهن ومجريهن، وهو منشئهن، فكان في ذلك دليل أنه لم يخاطب هؤلاء وخاطب هؤلاء الآخرين، فعلمنا أنه خاطب من يعقل ويفهم ويكسب، وإنما خاطبهم إذ هم مخيرون، وترك مخاطبة الآخرين إذ هم غير مخيرين ولا مختارين، فهذه الحجة وهذا الدليل على فعله من فعل خلقه.
(١) ما بين المعقوفين ساقط من (أ).
(٢) في نسخة: مجاريهن.