مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[الدليل على وجوب الإمامة]

صفحة 276 - الجزء 1

  صار إلى إمام الهدى محمد ~، فكان خاتم النبيين، ومفتاح الأئمة المهتدين.

  ثم قال تعالى بعد هذا كله، دلالةً على أن محمداً وارثُ خليله: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ٦٨}⁣[آل عمران]، فكان محمدٌ الوارثَ من إبراهيم وإسماعيل @ للنبوة، وإليه # صار ما كان من إبراهيم وإسماعيل من الدعوة؛ إذ يقولان @: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ١٢٩}⁣[البقرة].

  وأبينُ دليل وأنور تنزيل في وجوب الإمامة وما يجب منها على الأمة قولُ الله تبارك وتعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ٥٩}⁣[النساء]. فأمر تبارك وتعالى بطاعة أولي الأمر مع ما أمر به من طاعته وطاعة الرسول، ولا يأمر تبارك وتعالى إلا بمعلوم غير مجهول، مع ما لا أعلم فيه بين الرواة فُرْقَةً، وما لا أحسبك إلا قد رأيتها عليه متفقةً، من حديث الرسول # في أن «من مات لا إمام له مات ميتة جاهلية»، فكل هذا دليل على وجوب الإمامة وعقدها، وما في ذلك للأمة بعد رسولها ~ من رشدها، مع ما يجمع عليه جميع الأمم على اختلاف مللها وعقولها، وما هي عليه من الفرقة البعيدة في أجناسها وأصولها - من تقديمها لمن يؤمها منها ويذب مخوفَ ذِمار الأعداء عنها، ويحوط حرمها عليها، وينفذ حكم المصلحة فيها، ويكف سرف قويها عن ضعيفها، ويجري حكم قسط التدبير فيها في وضيعها وشريفها؛ استصلاحاً منها بذلك للدنيا، والتماساً به لما فيه لها من البقيا.

  فكيف يرحمك الله بطلاب رضا رب الأرباب، وحلول دار الخلد من الجنة، وملتمس حكم الكتاب والسنة، أيصلح أولئك أن يكونوا فوضى بغير إمام؟ هيهات، أبى الله ذلك لمنزل الأحكام.