القتل والقتال
  بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا}[المائدة: ٣٢]، فأحل سبحانه من قتل الأنفس بفسادها واعتدائها مثل الذي أحل من القتل بالقصاص بينها في دمائها.
  وقال أيضاً سبحانه وتعالى فيما جعل من القصاص بين القتلى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى}[البقرة: ١٧٨]، الآية.
  فهذه وجوه ما أحل الله به الدماء، وأوجب به على من فعله البراءة والبغضاء، وكل وجه - والحمد لله - من هذه الوجوه فغير صاحبه، لا ينكر وجهاً منها مرتابٌ وإن عظمت بليته في ارتيابه.
  وقد قال غيرنا من مرتابي هذه العوام الغوية، وأعوان المعتدين من ظلمة بني أمية: لا يحل قتل من قال: لا إله إلا الله، وكابر ما بيَّنا كله مما حكم به الله.
  واليهود تقول: لا إله إلا الله، وتؤمن ببعض كتاب الله، كما قال سبحانه: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ٨٥}[البقرة]. فخزي الدنيا أن تقوى مسكنتهم وذلهم، وقتالُهم إن امتنعوا من الذل وقتلُهم، فحكم الله سبحانه بقتلهم، ودمَّرهم بفسادهم وكفرهم والإعراض عن بعض حقه، وتكبرهم على المرسلين من خلقه، فقال سبحانه: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ٢٩}[التوبة]، ولقتلهم الآمرين بالقسط من الناس أوجب لهم تبارك وتعالى في أن مَن صد عن سبيل الله، وأفسد