مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[الدليل على أن صانع العالم واحد]

صفحة 388 - الجزء 1

  لا يهتدي⁣(⁣١) أبداً، فليت شعري من هذا الذي يدعونه إلى مذهبهم؟

  قال الملحد: لعمري لقد لطفت في الاستخراج على القوم، ولعمري إن هذا مما يقطع شغبهم، ولكنهم يقولون: لما كان في العالم خير وشر دلنا ذلك على أنهما من أصلين قديمين.

  قال القاسم #: أما وجود الخير والشر في العالم فإنا نجده، إلا أن هذا يدلنا على أن صانع العالم واحد.

  والدليل على ذلك: أن الخير والشر معتقبان على الخَيِّر والشرير، ووجدناهما محدثين، وقد قدمنا الكلام في هذا المعنى⁣(⁣٢) بما فيه كفاية، وبينا أن العالم أصله وفرعه محدث، وأن المحدث يقتضي المحدث، فإن كان حكم فاعله كحكمه أوجب ذلك حدوث صانع العالم، ويقتضي المُحْدِث، فإن كان هذا هكذا فلكل صانع صانع إلى ما لا نهاية له، وقد بينا فساده آنفا.

  ووجه آخر، وهو أن الخير والشر ليس اختلافهما يدل على قدمهما، وليس اختلافهما بأكثر من اختلاف الصور والهيئات. وقد قلنا: إن اختلافها يدل على من خالف بينها واخترعها مختلفة، فلو كان الخير والشر وسائر المختلفات قديمة لكان فيها دفع الضرورات.

  ووجه آخر، وذلك أنا نرى الشيء خيراً لمعنى وشرا لمعنى آخر، ونرى الخير والشر مجتمعين في حين واحد، فلا يخلوان في حال اجتماعهما من أمور: إما أن يكونا اجتمعا بأنفسهما أو جمعهما غيرهما، فإن كانا اجتمعا بأنفسهما فمحال⁣(⁣٣)؛ وذلك أنهما ضدان، والضدان لا يجتمعان بأنفسهما، لأنا نشاهد نفورهما وفرار كل واحد من صاحبه، فإذا فسد ذلك لم يبق إلا أن جامعا جمعهما.


(١) في نخ: لا يهدي.

(٢) سقط من (أ): المعنى.

(٣) في (أ): فذلك يستحيل.