مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[الدليل على أن الصانع له رسول]

صفحة 395 - الجزء 1

  قال القاسم #: هو مثل ما نعرفه في الشاهد، وذلك لو أن سيدا أمر عبده ببناء دار أو قطع شجرة أو إعطاء عبدالله أو ضرب زيد فإنه ليس في العقل أن السيد يأمر به، فإذا أمر به كان في العقل أن الائتمار به حسن وأن تركه قبيح إذا⁣(⁣١) كانت لأمر سيده عاقبة محمودة ومرجع نفع إلى العبد، فالعقل يجوز الأمر بكل شيء على حياله، ولا يوجب شيئاً من ذلك دون شيء، إذا كان ذلك الأمر مما ينتقل حاله في العقل، وذلك أنه قد يكون المشي إلى موضع ما حسنا في العقل إذا كان للمشي معنى حسن، فأما اللواتي يدرك حكمها في العقل فقد أدرك أن⁣(⁣٢) الآمر بها لا يأمر إلا بما هو حسن، ولا ينهى إلا عما هو قبيح عنده.

  قال الملحد: فحدثني عن الصلاة والصيام وغيرهما من الشرائع هل له أصل في العقل تفرع هذا منه؟

  قال القاسم #: أجل، قد أخبرتك به آنفا، وهو كالأمر بالمشي إلى موضع ما، وكضرب زيد، وإعطاء عبدالله، ليس له أصل في العقل أكثر من الائتمار لأمر الحكيم، ووجه الحكمة فيه أن الآمر إنما يأمر به لينظر هل يأتمر به المأمور فيجازيه لذلك؟ لا سيما إذا كان الآمر مستغنيا غير محتاج إلى ما يأمر به وإنما يأمرهم ليمتحنهم وليظهر بذلك أعمالهم فإن الأمر به حسن، وعلى ذلك سبيل الشرائع كلها.

  قال الملحد: خبرني عن كيفية معجزاتهم.

  قال: هو قلب العادات، وأن لا يترك العادات جارية على مجراها، فإذا جاء أحدهم وقال له قومه: ما الدلالة على صدقك، قال: الدليل أن الله يقلب عاداتهم في كذا وكذا إلى كذا وكذا، فحينئذ يعرفون صدقه، ويضطرون إلى قبول قوله، وهذه سبيل المعجزات كلها، وبمثل ذلك يفرق بين النبي والمتنبي، وبين الصادق والكاذب.

  قال الملحد: إنه بقي في قلبي شبهة، فأحب أن تقلعها بحسن رأيك ونظرك.


(١) في (أ، ب): إذ.

(٢) في (ب): بأن.