مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

كتاب المكنون

صفحة 153 - الجزء 2

  العسل؛ ليوهمك بغروره أنك تحل منه في أرفع المحل.

  يا بني، إياك والطمأنينة إلى من قد حنيت على النكث جوانحه، ورُكِّبت على الغدر جوارحه، فكن لأوليائك متهماً، ومنهم متسلماً، وباليأس مِن وفائهم عالماً، فإذا صار ذلك في صدرك مستحكماً فانظر ما كنت تطمع به منهم، فكن أنت على مثله لغيرهم، تُضرب إلى بابك القلائص، وتشخص إليك عند النوائب العيون الشواخص، وتصير كهفاً للاجئين، ومعتمداً للقاصين، وزيناً للأقربين.

  إياك يا بني أن تستن بسنن أهل الاختيال، أو تعمل بعملٍ يُستقبح من الأعمال، وإن كان ذلك في الناس كثيراً، وفي غيرك مشهوراً، فإنما يستحق اسم السؤدد عند كل أحد مَن قلَّ اختياله، واستُحسِنت أعماله، وجاد بالمعروف، وعطف بالفضل على الضعيف، وطبع نفسه بطابع المروءة، وصانها عن الأخلاق المذمومة، ومن صح عنده كرمه، وظهرت على غيره نعمه، وطال لمزايلة ما تهواه نفسه ذمُّه برَّز في السبق، وصار محموداً عند الخلق، وبان عن سواه، وتكاملت أسبابه، وليس كل عاقل مفضل بعقله حتى يحتمل مِن عاذله كثرة عذله، فلا تؤدب العاقل بما يستثقل، ولا تُحمِّله ما لا يحتمل، فإن مداوي الجرحى قد يحميهم ما لا يحمي منه الأصحاء، وليس بطبيب ولا برفيق مَن أمَرَ من الدواء بما ليس له المأمور بالمطيق. ومَن ادعى المعرفة بالتفرُّس قبل الامتحان فقد سبح في الغَمر الذي ليس له به يدان.

  يا بني، الناس رجلان: فرجل ذو عين باكية على ممر أيامه الخالية، متأسٍّ على أخدان له سلفوا، وَأُلَّافٍ له انقرضوا، يَشرَق بغصته، ويأخذه الشجا في