نبذة في مصطلح الحديث
  وأما من هو أهون حالًا منهما عندهم - لا عندنا - فسواء مثل سمرة بن جندب(١) وأمثاله الكثير، الخبيث الذي قتل ثمانمائة مع بني أمية، فحديثه في الصحيحين رواه الجماعة(٢).
  وليس هذا قدحًا في الصحيحين وسائر الصحاح، إنما هو بيان لأن ما فيهما لا يفيد العلم القطعي، ففي دعواه نبوءٌ لاختلال الإجماع مع أن أصحابنا وإن قبلوا حديثهما فمنهم من لا يقبله منفردا إلا إذا وافق ما عندهم، وهو الأغلب، وأما قدماؤهم فإجماعهم ظاهرٌ، ولذا تجدهم مصرِّحين بالتخطئة لمن أخذ علمه من طريق العامة إلَّا لمن رسخ قدمه في علوم الآل بحيث يؤمن عليه الميل والركون على ما عندهم.
  قال الإمام الهادي # في كتاب القياس ما لفظه: اعلم أيها السائل أن الحق لا يوجد إلا من أحد ثلاثة وجوه: كتاب ناطق، أو إجماع من الأمة فيما نقلته عن النبي ÷ من السنة، أو حجة عقلية(٣).
  مع تعسُّر دعوى القطع (على)(٤) كل حديث بما ترى من الاختلاف(٥)، وإذا كان دعوى التلقي بمجموع ما فيهما جملة فالأمر أقرب إلى الصواب، مع أن كلَّ طائفةٍ أو الكثير يدَّعون ذلك فيما اشتهر من كتب أوائلهم كالمجموع والأحكام وأضرابهما عند أصحابنا، والمسألة واحدةٌ؛ لأن الدعوى تلقي مثل ذلك عند تلك الطائفة وبعض الطوائف أو الكل إذا لم يشتهر التصريح بإجماع طائفةٍ على ردِّه(٦)، وهذا المعنى موجودٌ في الصحيحين كما تقدمت الإشارة إليه، وعلى الجملة فالمتدين لا يثبت حكمًا في الإسلام بمجرد تحسين الظن بأحد المصنِّفين؛ لوجود دليله فيه حتى يستوفي البحث
(١) سمرة بن جندب الفزاري، كان زياد يستخلفه على البصرة، فلما مات زياد أقره معاوية عليها عامًا أو نحوه ثم عزله، عاث فيها وقتل وأفسد، فقال: لعن الله معاوية، لو أطعت الله كما أطعت معاوية ما عذبني أبدا، وكان يقتل بأمر زياد، وكان على شرطة عبيد الله بن زياد، وكان يحرض الناس على الخروج على الحسين وقتاله، وبذل له معاوية أربعمائة ألف، ليفتري على الله ورسوله فقبل، وقد قيل إن رسول الله ÷، قال له، ولأبي هريرة، وثالث معهما، وآخركم موتا في النار، فكان آخر من توفي منهم حيث أصيب بالزمهرير، توفي سنة (٦٠ هـ). ينظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى: (٦/ ١٠٨ رقم ١٨٨٢) وابن حجر، تهذيب التهذيب: (٤/ ٢٣٦ رقم ٤١١)، وابن الأثير، أسد الغابة: (١/ ٣٢١)، وابن حجر، الإصابة: (٢/ ٧٧)، وابن سعد الطبقات (٦/ ٣٤).
(٢) ينظر: المزي، تهذيب الكمال: (١٢/ ١٣٤)، وفي (ج).
(٣) ما بين القوسين من (ج).
(٤) في (ب، ج) القطع على كل حديث.
(٥) في (ب) بما تزامن من الاختلاف.
(٦) في (ج) على رده لم يتلقوه.