الدرع الحصينة في تخريج أحاديث السفينة،

الإمام أحمد بن هاشم (المتوفى: 1269 هـ)

فصل: فيما يقوله من سئم الحياة وتحريم تمني الموت

صفحة 370 - الجزء 1

فصل: فيما يقوله من سئم الحياة وتحريم تمني الموت

  عن أنس قال: قال رسول الله ÷ «لاَ يَدْعُوَنَّ⁣(⁣١) أَحَدُكُمْ بِالْمَوْتِ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ، وَلَكِنْ لِيَقُلِ: اللهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي»، وفي رواية: «لَا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ» أخرجه الجماعة⁣(⁣٢).

  قال النجري عند قول الله تعالى: {فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}⁣(⁣٣) ما معناه: ظاهرها أنهم لم يتمنوه لقبيح فعلهم؛ فعلى هذا يجوز لمن قدَّم صالحًا.

  قال قاضي القضاة⁣(⁣٤): يجوز لمن كان واثقًا بإيمانه. قال: وقال النووي: يجوز تمنِّيه لخشية فتنة في الدين، ورواه عن العلماء قال: لما روي عن أبي هريرة عنه ÷ أنه قال: «والَّذِي نَفْسُ مُحَمَدٍ بِيَدِهِ لِيأتينَّ على الناسِ زَمَانٌ يَكُونُ الموتُ أَحَبَّ إِلى العلماءِ من التِبْرِ الأَحْمَرِ، حتَّى يَأْتَيِ الرَّجُلَ قَبْرَ أَخِيهِ فَيَقُولُ: يَاليتَنِي مكانَك وغير ذلك»⁣(⁣٥).

  قلت: أما لخشية الفتنة؛ فدليله قوله تعالى على لسان مريم العذراء &: {يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا}⁣(⁣٦) ولم تُنهَ عن ذلك.

  وأما حديث أبي هريرة فلم يكن فيه دلالةٌ على المقصود؛ إذ المحبة ليس فيها تمنٍّ، والتمنِّي قولٌ يُؤْجَرُ عَلَيْهِ صَاحِبُه أَوْ يَأْثَمُ، فَيَفتَقِرُ إِلَى دَلِيْلٌ وَهُوَ مَا ذَكْرنا، والله أعلم.


(١) في (ج) لا يدعوا.

(٢) أخرجه أحمد في مسنده: (٢١/ ٤٠٨ رقم ١٣٩٩٤)، والبخاري في صحيحه: (٥/ ٢١٤٦ رقم ٥٣٤٧)، ومسلم في صحيحه: (٤/ ٢٠٦٤ رقم ١٠ - (٢٦٨٠)، وابن ماجة في سننه: (٢/ ١٤٢٥ رقم ٤٢٦٥)، وأبو داود في سننه: (٥/ ٢٤ رقم ٣١٠٨)، والترمذي في سننه: (٣/ ٢٩٣ رقم ٩٧١)، والنسائي في المجتبى: (٤/ ٣ رقم ١٨٢٠).

(٣) سورة البقرة: ٩٤.

(٤) القاضي عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار الهمذاني، أبو الحسن، ولد سنة (٣٢٥ هـ)، مفسر، ومحدث، متكلم معتزلي أصولي، كان شيخ المعتزلة في عصره، توفي سنة (٤١٥ هـ)، له: "المغني في أصول الدين"، و"الأصول الخمسة" وغيرهما. ينظر: الخطيب، تاريخ بغداد: (١١/ ١١٣)، والسبكي، طبقات الشافعية: (٥/ ٩٧).

(٥) ينظر: النجري، عبد الله بن محمد: شافي العليل في شرح الخمسمائة آية من التنزيل، تحقيق وتعليق: أحمد علي الشامي، مكتبة الجيل الجديد، صنعاء، ومؤسسة الكتب الثقافية، بيروت ط ٦ (١١٤٠ هـ/١٩٨٦ م): (ص ١٠٧، ١٠٨)، والنووي، شرح صحيح مسلم: (١/ ١٨٢).

(٦) سورة مريم: ٢٣.