الدرع الحصينة في تخريج أحاديث السفينة،

الإمام أحمد بن هاشم (المتوفى: 1269 هـ)

ولنختم الباب بحديث شريف يشهد على جميع ما تقدم ويليق بالمتدين التخلق بمقتضاه

صفحة 320 - الجزء 1

  مُعَاذٌ، (حتى ظننت)⁣(⁣١) إِنَّهُ [لَا يَسْكُتُ]، فقلت: ألا تسكت؟ ثُمَّ سَكَتَ، ثُمَّ قَالَ: بأَبِي وَأُمِّي، حَدَّثَنِي وَأَنَا رَدِيفُهُ، فبينما نحن نسير إِذْ رَفَعَ بَصَرَهُ إِلَى [السَّمَاءِ]، فَقَالَ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يَقْضِي فِي خَلْقِهِ بِمَا أَحَبَّ ".ثُمَّ قَالَ: " يَا مُعَاذُ ".قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِمَامَ الْخَيْرِ وَنَبِيَّ الرَّحْمَةِ. فَقَالَ: " أُحَدِّثُكَ حَدِيثًا مَا حَدَّثَ بِهِ نَبِيٌّ أُمَّتَهُ، إِنْ حَفِظْتَهُ نَفَعَكَ عيشك، وَإِنْ سَمِعْتَهُ وَلَمْ تَحْفَظْهُ انْقَطَعَتْ حُجَّتُكَ عِنْدَ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ سَبْعَةَ أَمْلَاكٍ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ، لِكُلِّ سَمَاءٍ مَلَكٌ، قد جللها بعظمها، وَجَعَلَ على كُلِّ بَابٍ بَوَّابًا مِنْهُم، فَكَتَبَ الْحَفَظَةُ عَمَلَ الْعَبْدِ مِنْ حِينِ يُصْبِحُ إلى حين يُمْسِيَ، ثُمَّ ترْفَعُ الحفظة بعمله، وَلَهُ نُورٌ كَنُورِ الشَّمْسِ حَتَّى إِذَا بَلَغَ سَمَاءَ الدُّنْيَا فَيُزَكِّيهِ وَيُكَثِّرُهُ⁣(⁣٢) فَيَقُولُ الْمَلَكُ: قِفْ وَاضْرِبْ بِهَذَا الْعَمَلِ وَجْهَ صَاحِبِهِ، [وَقُلْ: لَا غَفَرَ اللَّهُ لَك]، فإنه أراد بهذا العمل عَرَض الدنيا، أَنَا ملك صَاحِبُ الْغِيبَةِ، من اغتاب، من لم أَدَعُ عَمَلَهُ يُجَاوِزَنِي]، إِلَى غَيْرِي، أمرني ربي بذلك، وَقَالَ: وتصْعَد الْحَفَظَةُ بِعَمَلِ الْعَبْدِ مبتهجًا بصدقته وصلاته، فتُعْجَب به الحفظة، فيجاوزهم إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثةِ، فَيَقُولُ الْمَلَكُ: قِفْ وَاضْرِبْ بِهَذَا الْعَمَلِ وَجْهَ صَاحِبِهِ، وَقُلْ لَهُ: لَا غَفَرَ اللَّهُ لَكَ إِنَّهُ أَرَادَ بِهَذَا الْعَمَلِ عَرَضَ الدُّنْيَا، وَتَصْعَدُ الْحَفَظَةُ بِعَمَلِ الْعَبْدِ يُزْهِر كما يزهر النجم الدُّريّ في السماء، لَهُ دوِي بالتَسْبِيح وَبصوم وَبحج وَعمرَة، فيمر به إلى مَلَكِ صاحب السَّمَاء الرَّابِعَة، فَيَقُول: قف، واضرب بِهَذَا الْعَمَل وَجه صَاحبه وبطنه؛ أنا ملك صَاحب الْعُجب بالنفس، إنه عمِل وأدخل معه العُجْب، أمرني ربي أن لا أدع عمله يجاوزني إلى غيري.

  قال: وتصعد الْحفظَة بعمل العبد كالعروس المزفوف إلى أهله، فيمر بهم إلى السماء الخامسة، بعمل الجهاد وصلاة ما بين الصلاتين، لذلك العمل زئير كزئير الأسد، عليه ضوء كضوء الشمس، فيقول الملك: قف؛ أنا ملك صاحب الحسد، [قف]، واضرب بهذا العمل وجه صاحبه، ويحمله على عاتقه، إنه كان يحسد من يتعلم ويعمل لله كعمله، إذا رأى لأحد فضلا في العمل والعبادة حسدهم ووقع فيهم، فيحمله على عاتقه ويلعنه عمله.

  قال: وتصعد الحفظة بعمل العبد، بوضوء تام وقيام من الليل وصلاة كثيرة، فيمر


(١) ما بين القوسين ساقط من (أ).

(٢) في (أ، د) وتُكبِّره.