[النوع الثاني عشر:] حب الدنيا
  ماهيتها المذمومة، لتجنب محبتها.
[ماهية الدنيا المذمومة]
  اعلم أن الدنيا عبارة عن كل ما شغل عن الله قبل الموت، فكل ما لك فيه حظ، وغرض، ونصيب، وشهوة، ولذة، في عاجل الحال قبل الوفاة، فهي الدنيا.
  وليس كل ذلك مذموم بل المذموم المنهي عن محبته: هو (كل ما فيه حظ عاجل، ولا ثمرة له في الآخرة كالتلذذ بالمعاصي، والتنعم بالمباحات الزائدة على قدر الضرورة والحاجة، الداخلة في جملة الرفاهية والرعونة كالتنعم بالقناطير المقنطرة من الذهب، والفضة، والخيل المسومة، والأنعام، والحرث، والغلمان، والجواري، والمواشي، والقصور، والدور، ورقيق الثياب، ولذيذ الأطعمة، فحظ العبد من هذا كله هي الدنيا المذمومة)(١).
  هكذا ذكره الغزالي، وهو كلامٌ قويٌّ؛ فإنه وإن كان كثيرٌ مما ذكره مباحاً، إلا أن محبته، والحرص عليه، يقود إلى المعاصي،
(١) الغزالي في إحياء علوم الدين [٣/ ٢١٩]. والْقَنَاطِيرُ: جمع القَنْطَرَةِ، والقَنْطَرَةُ من المال: ما فيه عبور الحياة تشبيها بالقنطرة، وذلك غير محدود القدر في نفسه، وإنما هو بحسب الإضافة كالغنى، فربّ إنسان يستغني بالقليل، وآخر لا يستغني بالكثير، ولما قلنا اختلفوا في حدّه فقيل: أربعون أوقيّة. وقال الحسن: ألف ومائتا دينار، وقيل: ملء مسك ثور ذهبا إلى غير ذلك، وذلك كاختلافهم في حدّ الغنى. [لسان]. والرعونة: الحمق، والاسترخاء، والمراد هنا: الاسترخاء الناتج عن التنعم.