[الخلق الرابع:] الشكر
  وما أحسن ما قيل: الزهد في الدنيا راحة، فإنك إذا تأملت لم ترَ تعباً في الدنيا، ولا نصباً، ولا هماً، ولا غماً، ولا كدَّاً، ولا نكداً، إلا وسببه الغالب الضّنّة بالدنيا، وعدم الزهد فيها، ومصداقه الحديث المتقدم، والله ولي التوفيق.
[الخلق الرابع:] الشكر
  يجب على العبد شكر ربه على نعمه التي لا تحصى، غاية جهده بقلبه ولسانه، على الحد اللائق به وعلى ما يصل إليه من النعم بواسطة المخلوقين، مع شكرهم - أيضاً -؛ لأن لهم يداً ظاهرة في نفعه وإعطائه، لكن الشكر لله على ذلك أوجب(١)؛ لأنه خالق الجميع(٢)، الميسر لأسباب ذلك(٣)، الباعث عليه بما وعد من الثواب والمكافأة على الإحسان.
(١) وعند التأمل تجد أن الله تعالى هو المستحق على الحقيقة للشكر؛ لأنه تعالى المصدر لتلك النعم، والخالق لها، بخلاف المخلوق - الذي عليك شكره - فإنما هو واسطة لإيصال بعض النعم التي حصلت له من الله تعالى إليك.
(٢) خالق الجميع: أي خالق النعم التي لا تحصى، وخالق المخلوق الذي عليك شكره لإعطائه لك بعضا من تلك النعم.
(٣) الأسباب: هي: الأسباب التي تجعلك تحصل على تلك النعم بطريق مباشر (دون واسطة)، بأن خلقها فيك، أو بأن أوجدها وأقدرك وأمكنك من نيلها والحصول عليها بنفسك، وكذلك الأسباب التي تحصل بها على تلك النعم بطريق غير مباشر (بواسطة)، كأن يعطيك مخلوق نعمة ما لأنه يطلب الأجر من الله تعالى، فطلبه للأجر منه تعالى سبب غير مباشر لحصولك على النعمة، فالله تعالى هو الميسر لكلا النوعين من الأسباب.
(٤) قال الإمام المنصور بالله #: (والبلاء من قبل الله تعالى على وجهين: بلاء فعل واضطرار، وبلاء تعبد واختبار. فبلاء الفعل والاضطرار على وجهين: محنة، ونعمة، ونريد بالمحنة هاهنا: ما تنفر عنه النفوس، وبالنعمة: ما تلتذ به. وأما إذا رجع إلى التحقيق فكل ما جاء من قبله من مكروه، أو محبوب، فهو نعمة حسنة؛ وقد قسم الحكيم سبحانه البلاء في كتابه الكريم كما قسمنا، ومن كتابه العزيز تفهمنا ما فهمنا، قال عز من قائل في ذلك: {فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ}[الفجر ١٥] ...)، إلى قوله: (وقال تعالى في المعنى الثاني من البلوى [أي: ما تنفر عنه النفس]: {وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ}[الفجر ١٦]). [حديقة الحكمة].