[الخلق الثامن:] لزوم الخلوة
  وقال ÷ لِمن قال له: أيُّ الناس أفضل؟: «مؤمن يجاهد بنفسه وماله في سبيل الله» قال: ثم من؟ قال: «رجل معتزل في شعب من الشعاب يعبد ربه»، وفي رواية: «يدع الناس من شره»(١) رواه البخاري، ومسلم.
[لماذا العزلة]
  وإنما فضلت العزلة؛ لأن الناس تأنس إلى الناس، وإلى اللهو واللعب، فإذا حبسها العبد عن ذلك، انْقَمَعَتْ حدَّتُها(٢)، ولانت شدتها، وحينئذٍ، يتنور القلب، ويظهر برهانه، عن عليٍّ #: (العبادة حرفة، حانوتها الخلوة)(٣)، أو كما قال. ومن حبب الله إليه الخلوة فقد استمسك بعمود الإخلاص.
  واعلم أن الناس في التمكن منها على درجات، وقلَّ من يستطيع الخلوة التامة المستمرة، ولكنه ينبغي أن لا يمنع العبد
(١) أمالي أبي طالب # [٤٨٠]، والبخاري [٤/ ١٥] رقم (٢٧٨٦)، ومسلم [٣/ ١٥٠٣] رقم [١٢٢ - (١٨٨٨)].
(٢) انقمعت: ذَلَّتْ، قَمَعْتُهُ فَانْقَمَعَ، أي: كففته فكفّ. والحدة: ما يعتري الإنسان من النزق والغضب، هذا المذموم منها، ومنها المحمود وهو الذي بمعنى: النشاط والسرعة في الأمور والمضاء فيها مأخوذ من حد السيف، والمراد منه: المضاء في الدين والصلابة والمقصد إلى الخير. ومن الحدة يقال: فلان حاد الملامح، أي: ملامح وجهه يظهر فيها الغضب والنزق خِلْقَةً لا تصنعا أو تكلفا.
(٣) صلة الإخوان للسيد الإمام يحيى بن المهدي @ [٢٨١] نسخة إلكترونية.