المختار من كنز الرشاد وزاد المعاد،

عز الدين بن الحسن بن علي (المتوفى: 900 هـ)

[الخلق الثالث:] الزهد

صفحة 99 - الجزء 1

[في كيفية الزهد]

  فينبغي للعبد أن يقتصر من الدنيا على قدر كفايته، حسبما تحتمله نفسه؛ فإن هذا أمر اعتباري إضافي؛ فقد يكون شيء من صفة المعاش زهداً في حق رجل؛ لأنه لا يحتمل دونه، دون آخر؛ لإمكانه الاقتصار على أقل منه، فقد ذكر العلماء - رحمهم الله - جنس هذا في صورٍ؛ منها: أن قالوا فيمن أراد ركوب البحر: إنْ عَرَفَ من نفسه القوة بإعانة الله - سبحانه - له على ذلك فَعَلَ، وإن عرف الضعف تَرَكَ.

  وكذا الكلام في التداوي، وطلب الرزق، وغير ذلك، فمَن عرف مِن نفسه الرضا، والصبر على المضرة، والألم، والفقر، وقد أَرْقَتْهُ⁣(⁣١) حالته إلى هذه الدرجة الرفيعة الشريفة فالأفضل في حقه ترك التداوي والطلب.

  ومَن ضَعُفَ عن ذلك، تداوى، وطلَبَ الشيء من وجهه، مع حسن القصد، والاعتقاد بأن الأمر بيد الله، وإنما هذه أمور اعتيادية، يفعل الله عندها ما يعلم المصلحة فيه، وعليه الرضا بقضاء الله، ومعرفة أنه المحسن على كل حال.

  وعليه مع هذه الوظيفة بالاستشعار للموت، وقربه،


(١) أَرْقَتْهُ: رقَّتْهُ فارتقى، أي: ارتفع وعلا.