المختار من كنز الرشاد وزاد المعاد،

عز الدين بن الحسن بن علي (المتوفى: 900 هـ)

[النوع الثاني عشر:] حب الدنيا

صفحة 80 - الجزء 1

[معنى حب الدنيا رأس كل خطيئة ودواء ذلك]

  فإن قيل: ما معنى كون حب الدنيا رأس كل خطيئة، فإن معرفة ذلك غير متضحة؟

  قلت: إذا تأملت، ووفيت النظر حقه، وجدت الخلائق الذميمة، والأفعال القبيحة أكثرها - بل كلها - متفرعة عن حب الدنيا والضنة⁣(⁣١) بها؛ فإن ذلك داعية الإنسان إلى البخل، والعصيان، والظلم، والعدوان، والله المستعان.

  فإن قيل: الضرورة ملجئة إلى الدنيا، والاشتغال بها، وقد ورد فيها هذا الخبر، وأمثاله، فكيف السبيل إلى الخلاص؟

  قلت: قد ذكر بعض الصالحين أن الخلاص من هذه الورطة، بأن يعرف العبد أن شرها متشعب من ثلاثة أمور: حب المال، وحب الجاه، وحب الشهوات.

  فأما المال فيأخذ منه كفايته.

  وأما الجاه فيترك المحافظة عليه، واللَهَجَ⁣(⁣٢) إليه، إلا ما كان منه لأجل الدين، وفي نقصه نقص له⁣(⁣٣).

  وأما الشهوات ففي الحلال غُنْيَةٌ⁣(⁣٤) عن غيره، فيقتصر منه


(١) الضِّنَّة بالضاد: البخل، أي: البخل بالدنيا.

(٢) اللهج: لَهِجَ بالأَمرِ لَهَجاً، ولَهْوَجَ، وأَلْهَجَ كِلَاهُمَا: أُولِعَ بِهِ واعْتادَه. [لسان].

(٣) أي: وفي نقص الجاه نقص للدين.

(٤) غُنْيَة: غَنِيَ بكذا عن غيره من باب تعب، إذا استغنى به والاسم: الغُنية بالضم. [لسان].