[النوع الثاني عشر:] حب الدنيا
[معنى حب الدنيا رأس كل خطيئة ودواء ذلك]
  فإن قيل: ما معنى كون حب الدنيا رأس كل خطيئة، فإن معرفة ذلك غير متضحة؟
  قلت: إذا تأملت، ووفيت النظر حقه، وجدت الخلائق الذميمة، والأفعال القبيحة أكثرها - بل كلها - متفرعة عن حب الدنيا والضنة(١) بها؛ فإن ذلك داعية الإنسان إلى البخل، والعصيان، والظلم، والعدوان، والله المستعان.
  فإن قيل: الضرورة ملجئة إلى الدنيا، والاشتغال بها، وقد ورد فيها هذا الخبر، وأمثاله، فكيف السبيل إلى الخلاص؟
  قلت: قد ذكر بعض الصالحين أن الخلاص من هذه الورطة، بأن يعرف العبد أن شرها متشعب من ثلاثة أمور: حب المال، وحب الجاه، وحب الشهوات.
  فأما المال فيأخذ منه كفايته.
  وأما الجاه فيترك المحافظة عليه، واللَهَجَ(٢) إليه، إلا ما كان منه لأجل الدين، وفي نقصه نقص له(٣).
  وأما الشهوات ففي الحلال غُنْيَةٌ(٤) عن غيره، فيقتصر منه
(١) الضِّنَّة بالضاد: البخل، أي: البخل بالدنيا.
(٢) اللهج: لَهِجَ بالأَمرِ لَهَجاً، ولَهْوَجَ، وأَلْهَجَ كِلَاهُمَا: أُولِعَ بِهِ واعْتادَه. [لسان].
(٣) أي: وفي نقص الجاه نقص للدين.
(٤) غُنْيَة: غَنِيَ بكذا عن غيره من باب تعب، إذا استغنى به والاسم: الغُنية بالضم. [لسان].