المختار من كنز الرشاد وزاد المعاد،

عز الدين بن الحسن بن علي (المتوفى: 900 هـ)

[الخلق الثامن عشر] التوبة

صفحة 135 - الجزء 1

[كيف تعظم الآخرة في القلب]

  تنبيه: اعلم، أن كل من أيقن بالبعث والنشور، والجنة والنار، يحب لا محالة الفوز بالثواب، والنجاة من العقاب؛ وإنما يصرفه عن ذلك حب الدنيا، والتعظيم لها، والاغترار بها، ولذلك ورد: «حب الدنيا رأس كل خطيئة»؛ فإذا عرفت ما تقدم حق معرفته، واكتسبت الخوف والخشية والهم والحزن، ودُمْتَ على ذلك، صغرت الدنيا في عينك، وحقر قدرها في نفسك، وبقدر ذلك تعظم الآخرة في قلبك، ويكبر حالها عندك، فمن هانت الدنيا عليه عظمت الآخرة لديه، وسهلت التوبة في حقه، وكثرت دواعيه إليها.

تنبيه آخر مفيد جدا: [التوبة وأنواع التائبين]

  اعلم، أن الثبات على التوبة عسير، والناكصون عنها الناقضون لها هم الجمّ الغفير، قال بعض الحكماء: الناس في التوبة على ثلاث منازل:

  - رجل تاب عند نفسه ما لم تعرض له شهوة، فإذا عرضت له أضاع المحاسبة وركبها، وأكثر الناس على ذلك.

  - ورجل تاب بقلبه، وجوارحه تضطرب عليه، فيستقيم طورا، ويعدل عن المحجة أخرى، فهو من نفسه في جهد، وبحسب اجتهاده يزداد صفاء وكدرا.