[الدواء]
  وهو يعلم أنه حاضر لديه، ورقيب عليه، وأنه محتاج في كل لحظة إليه، غير مستغن عنه، وأن إحسانه إليه فوق كل إحسان، وعاقبة عصيانه أنه الخلود في قعر النيران، وأن عظمته لا تدانيها عظمة سلطان؛ ومع ذلك يترك الإقبال عليه، ويَعْرِضُ له الذهولُ عنه، لخواطرَ دنيوية، ووساوسَ غيرِ نافعة، ولا مرضية، حتى لا يشعر بمعاني ما يتلوه في صلاته، ولا يعقل ما المطلوب بها، ويسهو عن أركانها وأذكارها؛ هذا مما تحار فيه العقول.
  ومن أمعن النظر في ذلك، وجد سببه ما تقدم ذكره، وهو سبب الغفلة عن همِّ الموت؛ مع تَيَقُّنِ السعي إليه، وعن همِّ ما بعده؛ مما يدهش الألباب، ويوجب مداومة الانتحاب(١).
[الدواء]
  ولعل السبيل إلى التحفظ عن تلك الشواغل في حال الصلاة، التي هي عماد الدين، والفارقة بين الكفرة والمؤمنين، التي فرضها الله ليتطهر بها عباده عما اقترفوه فيما بين أوقاتها من الذنوب، ويغسلوا بها أبدانهم وأرواحهم عن درن الحوب(٢)؛
(١) دَهِشَ: الدَّهَشُ: ذهابُ الْعَقْلِ مِنَ الذَّهَلِ والوَلَهِ، وَقِيلَ مِنَ الْفَزَعِ وَنَحْوِهِ، والألباب: جمع لُبٍّ، ولبُّ الرجل: ما جُعل له في قلبه من العقل. والانتحاب: (النَّحْبُ والنَّحِيبُ): رَفْعُ الصَّوتِ بالبكاءِ، وَفِي الْمُحْكَمِ: أَشدُّ البكاءِ.
(٢) الدَرَن: الوسخ، والحُوْب: الإثم.