ومن خطبة له # في الاستسقاء:
  الحر عنا، وإذا قلت لكم: اغزوهم في البرد، قلتم: هذه أيام قرّ وصرّ، أمهلنا حتى ينسلخ القرّ عنا، فإذا كنتم من الحر والقر تفرون، فأنتم والله من السيف أفر! أما والله لوددت أني لم أركم، ولم أعرفكم معرفة - والله - جرت ندما، وملأتم قلبي غيظا، وأفسدتم عليّ رأيي بالخذلان، حتى لقد بلغني أن قريشا تقول: إن ابن أبي طالب رجل شجاع ولكنه لا علم له بالحروب. لله أبوهم! وهل منهم أشد لها مراسا مني!؟ لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين، وها أنا الآن قد نيّفت على الستين، ولكن لا رأي لمن لا يطاع(١). قال: فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين أنا وأخي كما قال الله تعالى: {لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي}[المائدة: ٢٥] فها أنا ذا، وهذا أخي، فمرنا بأمرك فوالله لنضر بن دونك ولو حال بيننا جمر لغضا، وشوك القتاد، قال: فقال علي #: يرحمكما الله، وأين تقعان مما أريد(٢)؟! وروينا بالإسناد إلى الحسن البصري قال: كنت جالسا بالبصرة، وأنا حينئذ غلام أتطهر للصلاة، إذ مرّ بي رجل راكب بغلة شهباء متلثم بعمامة سوداء، فقال لي: يا حسن أحسن وضوءك يحسن الله إليك في الدنيا والآخرة، يا حسن، أما علمت أن الصلاة مكيال وميزان؟ قال: فرفعت رأسي فتأملت فإذا هو علي #، فأسرعت في طهوري، وجعلت أقفو أثره إذ حانت منه التفاتة، فقال لي:
  يا غلام، ألك حاجة؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين. تفيدني كلاما ينفعني الله به في الدنيا والآخرة، قال: يا غلام إنه من صدق الله نجا، ومن أشفق من ذنبه أمن من الردى، ومن زهد في هذه الدنيا قرّت عيناه بما يرى من ثواب الله غدا، ثم قال:
  يا غلام، ألا أزيدك؟ قلت: بلى يا أمير المؤمنين، قال: إن سرّك أن تلقى الله وهو عنك راض فكن في هذه الدنيا زاهدا، وفي الآخرة راغبا، وعليك بالصدق في
(١) نهج البلاغة رقم ٢٧ ص ١٤٠، بخلاف يسير.
(٢) الأمالي ١٨٦، ونهج البلاغة ١٤ رقم ٢٧ بخلاف يسير.