الحدائق الوردية في مناقب أئمة الزيدية،

حميد بن أحمد المحلي (المتوفى: 652 هـ)

ومن خطبة له # في الاستسقاء:

صفحة 124 - الجزء 1

  جميع أمورك تنجو مع الناجين غدا، يا غلام، إن تزرع هذا الكلام نصب عينيك ينفعك الله به، ثم أطلق عنان البغلة من يده، وقرص بطنها بعقبه، فجعلت أقفو أثره، إذ دخل سوقا من أسواق البصرة، فسمعته # يقول: يا أهل البصرة، يا أهل البصرة، يا أهل المؤتفكة، يا أهل تدمر - أربعا - إذا كنتم بالنهار، الدنيا تخدمون، وبالليل على فراشكم تتقلبون، وفي خلال ذلك عن الآخرة تغفلون، فمتى ترمون الزاد؟ ومتى تفكرون في المعاد؟ فقام إليه رجل من السوقة فقال:

  يا أمير المؤمنين، أبد من طلب المعاش؟ فقال: أيها الرجل، إن طلب المعاش لا يصرفك عن طلب الآخرة. ألا قلت: أبد⁣(⁣١) من طلب احتكار، فأعذرك إن كنت معذرو فولى الرجل وهو يبكي، فسمعته # يقول: أقبل عليّ يا ذا الرجل أزيدك تبيانا، إنه لا بد لكل عامل من أن يوفى في القيامة أجر عمله، وعامل الدنيا إنما أجره النار، ثم خرج من السوق، والناس في رنة من البكاء، إذ مرّ بواعظ يعظ الناس، فلما بصر بأمير المؤمنين # سكت ولم يتكلّم بشيء، فقال #: فكم، وإلى كم توعظون فلا تتعظون؟ قد وعظكم الواعظون، وزجركم الزاجرون، وحذّركم المحذّرون، وبلّغكم المبلّغون، ودلت الرسل على سبل النجاة، وقامت الحجة وظهرت المحجة، وقرب الأمر والأمد، والجزاء غدا {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}⁣[الشعراء: ٢٢٧]. يا أيها الناس، إنه لم يكن لله تبارك وتعالى في أرضه حجة ولا حكمة أبلغ من كتابه، ولا مدح الله منكم أحدا إلا من اعتصم بحبله، وإنما هلك من هلك عندما عصاه، وخالفه واتبع هواه، واعلموا أن جهاد النفس هو الجهاد الأكبر، والله ما هو شيء قلته من تلقاء نفسي، ولكني سمعت رسول الله ÷ يقول: «ما من عبد جاهد نفسه، فردها عن معصية الله إلا باها الله به كرام الملائكة، ومن باها الله به كرام الملائكة


(١) في (أ): ساقطة أبد.