الحدائق الوردية في مناقب أئمة الزيدية،

حميد بن أحمد المحلي (المتوفى: 652 هـ)

ومن خطبة له # في الاستسقاء:

صفحة 129 - الجزء 1

  لما أثّر ذلك في جوده، ولا أنفد سعة ما عنده، ولكان عنده من ذخائر الإفضال ما لم ينفده مطالب السؤال، ولا يخطر لكثرته على بال، لأنه الجواد الذي لا ينقصه المواهب، ولا يبخله إلحاح الملحّين، و {إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}⁣[يس: ٨٢]، فما ظنكم بمن هو هكذا؟ سبحانه وبحمده. أيها السائل اعقل ما سألتني عنه، ولا تسألنّ أحدا عنه بعدي، فإني أكفيك مئونة الطلب، وشدّة التعمق في المذهب، وكيف يوصف الذي سألتني عنه!؟ وهو الذي عجزت الملائكة مع قربهم من كرسي كرامته، وطول ولههم إليه، وتعظيم جلال عزّته، وقربهم من غيب ملكوت قدرته، أن يعلموا من علمه إلا ما علّمهم، وهم من ملكوت القدس بحيث هم، ومن معرفته على ما فطرهم عليه، فقالوا: {سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}⁣[البقرة: ٣٢]. فعليك أيها السائل بما دلك عليه القرآن من صفته، وتقدمك فيه الرسل بينك وبين معرفته، فأتمّ به واستضئ بنور هدايته، فإنما هي نعمة وحكمة أوتيتها، فخذ ما أوتيت وكن من الشاكرين، وما كلّفك الشيطان علمه مما ليس عليك في الكتاب فرضه، ولا في سنة رسول الله ÷، ولا عن أئمة الهدى أثره فكل علمه إلى الله سبحانه، فإنه منتهى حق الله تعالى عليك.

  اعلم أيها السائل أنّ الراسخين في العلم هم الذين أغناهم عن الاقتحام على السّدد المضروبة دون الغيوب الإقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من تفسير الغيب المحجوب، فقالوا: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا}⁣[آل عمران: ٧]، فمدح الله سبحانه اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علما، وسمّى تركهم التعمق فيما لم يكلّفهم البحث عنه منهم رسوخا، فاقتصر على ذلك. واعلم أن الله لم يحدث فيمكن فيه التغير والانتقال، ولم يتصرف في ذاته كرور الأحوال، ولم يختلف عليه عقب الأيام والليالي، وهو الذي خلق الخلق على غير مثال امتثله، ولا مقدار احتذى عليه من خالق كان قبله، بل أرانا من ملكوت قدرته، وعجائب