ومن خطبة له # في الاستسقاء:
  ما نطقت به آثار حكمته، واعترف الحاجة من الخلق إلى أن يقيمهم بتبليغ قوّته(١)، ما دلنا باضطرار قيام الحجّة له علينا على معرفته، ولم تحط به الصفات فيكون بإدراكها إيّاه بالحدود متناهيا، وما زال هو الله الذي ليس كمثله شيء، عن صفة المخلوقين متعاليا، وانحسرت وجل عن أن تناله الأبصار، فيكون بالعيان موصوفا، وارتفع عن أن يحوي كنه عظمته فهاهات رويّات المتفكرين، وليس له مثل فيكون بالخلق مشبها، وما زال عند أهل المعرفة عن الأشباه والأنداد منزّها، كذب العادلون بالله إذ شبهوه بأصنافهم، وحلّوه بحلية المخلوقين بأوهامهم.
  وكيف لما لا يقدر قدره مقدار في رويّات الأوهام، لأنه أجل من أن تحدّه ألباب البشر بتفكير، وهو أعلى من أن يكون له كفو فيشبّه بنظير، فسبحانه وتعالى عن جهل المخلوقين، وسبحانه وتعالى عن إفك الجاهلين، فأين يتاه بأحدكم؟ وأين يدرك ما لا يدرك والله المستعان(٢).
  قال السيد أبو طالب الحسني ¥ ما تشتمل هذه الخطبة عليه من ذكر عجز المخلوقين عن المعرفة على جميع صفات الله تعالى، المراد به العجز عن معرفة معلوماته ومقدوراته، وعجائب صنعه وخلقه على التفصيل، ومقادير نعمه على خلقه، وما اختص به تعالى من علم الغيوب، الذي لم يطلع البشر عليه(٣).
  وروينا بالإسناد إلى محمد بن الحنفية ¥ قال: لما قدم أمير المؤمنين # من البصرة - بعد قتال الجمل - دعاه الأحنف بن قيس، فاتخذ له طعاما، وبعث إليه وإلى أصحابه، فأقبل إليه أمير المؤمنين #، ثم قال له: يا أحنف، ادع أصحابي فدعاهم، فدخل قوم متخشعون كأنهم شنان بوال. فقال له الأحنف بن قيس:
(١) الأمالي والنهج: إلى أن يقيمها بمسالك قدرته.
(٢) الأمالي ص ٢٠٢، والنهج رقم ٨٩ ص ٢٣٦ باختلاف يسير.
(٣) الأمالي ٢٠٤.