ومن خطبة له # في الاستسقاء:
  يا أمير المؤمنين، ما هذا الذي نزل بهم من قلة الطعام؟ أم من هول الحرب؟ قال:
  لا يا أحنف. إن الله ø إذا أحب قوما تنسكوا له في دار الدنيا تنسّك من هجم على ما علم من فزع يوم القيامة من قبل أن يشاهدوها، فحمّلوا أنفسهم كل مجهودها، فكانوا إذا ذكروا صباح يوم العرض على الله تعالى توهموا خروج عنق من النار تحشر الخلائق إلى ربهم ø، وظهور كتاب تبدوا فيه فضائح ذنوبهم، فكادت أنفسهم تسيل سيلانا، وتطير قلوبهم بأجنحة الخوف طيرانا، وتفارقهم عقولهم إذا غلت بهم مراجل المردّ إلى الله ø غليانا، يحنون حنين الواله في دجى الظّلم، ذبّل الأجسام، حزينة قلوبهم، كالحة وجوههم، ذابلة شفاههم، خميصة بطونهم، تراهم سكارى وليسوا بسكارى، هم سمّار وحشة الليالي، متخشعون قد أخلصوا لله أعمالهم سرا وعلانية، فلو رأيتهم في ليلهم ونهارهم، وقد نامت العيون، وهدأت الأصوات، وسكنت الحركات من الطير في الوكور، وقد نهنههم يوم الوعيد، ذلك قوله تعالى: {أَ فَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ}[الأعراف: ٩٧] فاستيقظوا لها فزعين، وقاموا إلى مضاجعهم يعولون ويبكون تارة، ويسبّحون ليلة مظلمة بهماء، فلو رأيتهم يا أحنف، قياما على أطرافهم، منحنية ظهورهم على أجزاء القرآن لصلاتهم، إذا زفروا خلت النار قد أخذت منهم إلى حلاقيمهم، وإذا أعولوا حسبت السلاسل قد صارت في أعناقهم. فلو رأيتهم في نهارهم إذا لرأيت قوما يمشون على الأرض هونا، ويقولون للناس حسنا، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما، وإذا مرّوا باللغو مرّوا كراما، أولئك يا أحنف انتجعوا دار السلام، التي من دخلها كان آمنا، فلعلك شغلك يا أحنف نظرك إلى وجه واحدة تبيد الأسقام غضارة وجهها، ودار قد اشتغلت بتقريب فراقها، وستور علقتها، والرياح والأيام موكلة بتمزيقها، وبئست لك دارا من دار البقاء، فاحتل للدّار