ومن خطبة له # في الاستسقاء:
  التي خلقها الله ø من لؤلؤة بيضاء، فشقّ فيها أنهارها، وغرس فيها أشجارها، وأظل عليها بالنضيج من ثمارها، وكبسها بالعواتق من جورها، ثم أسكنها أولياءه وأهل طاعته. فإن فاتك يا أحنف ما ذكرت لك لترفلنّ في سرابيل القطران، ولتطوفن بينها وبين حميم آن، فكم يومئذ في النار من صلب محطوم، ووجه مشئوم(١)، ولو رأيت وقد قام مناد ينادي: يا أهل الجنة ونعيمها، وحليها وحللها، خلودا ولا موت، ثم يلتفت إلى أهل النار فيقول: يا أهل النار، يا أهل السلاسل والأغلال، خلودا ولا موت، فعندها انقطع رجاؤهم، وتقطعت بهم الأسباب، فهذا ما أعد الله ø للمجرمين، وذلك ما أعد الله ø للمتقين. وروينا بالإسناد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده أن عليا # سمع رجلا يذمّ الدنيا فأطنب في ذمّها، فصرخ به علي # فقال: هلمّ أيها الذامّ للدنيا، فلما أتاه قال له #: أيها الذامّ للدنيا ويحك لم تذمها؟ أنت المجترم عليها أم هي المجترمة عليك؟ فقال: بل أنا المجترم عليها يا أمير المؤمنين، قال: ويحك فيم تذمها؟ أليست منزل صدق لمن صدقها؟ ودار غنا لمن تزود منها؟ ودار عافية لمن فهم عنها؟ مسجد أحباء الله ø، ومهبط وحيه، ومصلى ملائكته، ومتجر أوليائه، اكتسبوا فيها الرحمة، وربحوا فيها الجنة، فمن ذا يذمّها وقد آذنت ببينها، ونادت بانقطاعها، ومثلت ببلائها البلاء، وشوقت بسرورها إلى السرور؟
  راحت بفجيعة، وابتكرت بعافية، بتحذير وترغيب وتخويف، فذمّها رجال غداة النّدامة، حدثتهم فلم يصدّقوا، وذكّرتهم فلم يذكروا، وحمدها آخرون ذكّرتهم فذكّروا، وحدثتهم فصدقوا. فأيها الذامّ للدنيا، المغتر بتغريرها، متى استذمّت إليك؟ بل متى غرتك؟ أبمضاجع آبائك من البلى؟ أم بمصارع أمهاتك تحت الثرى؟
  كم علّلت بيدك؟ وكم مرّضت بكفك؟ تلتمس له الشفاء، وتستوصف له
(١) في (آ): موسوم.