ومن خطبة له # في الاستسقاء:
  وأبصر الأعمى رشده.
  يا بني: قطيعتك الجاهل تعدل مواصلة العاقل، قلة التوقي أشد زلّة، وعلّة الكاذب أقبح علّة، وليس مع الاختلاف ائتلاف، من أمن الزمان خانه، ومن تعاظم عليه أهانه، ومن لجأ إليه أسلمه. رأس الدين صحة اليقين، وخير المقال ما صدّقه الفعال، سل يا بني عن الرفيق قبل الطريق، وعن الجار قبل الدّار، واحتمل ضيم المدل عليك، واقبل عذر من اعتذر إليك، وكن من أخيك عند صرمه لك على الصلة، وعند تباعده على الدنوّ منه، وعند جموده على البذل، حتى كأنه ذو نعمة عليك، وإياك أن تفعل ذلك في غير موضعه، أو تصنعه بغير أهله. لن لمن غالطك فيوشك أن يلين لك، ولا تقل ما لا تعلم، بل لا تقل كل ما تعلم.
  واعلم أن الانحراف عن القصد ضد الصواب وآفة ذوي الألباب، فإذا اهتديت لقصدك فكن أخشى ما تكون لربك.
  وفي رواية أخرى: وإياك والاتكال على الأماني، فإنها بضائع النّوكا، وتثبيط عن الآخرة والأولى، وخير حظ المرء قرين صالح. قارب أهل الخير تكن منهم، وباين أهل الشر تبن عنهم، ولا يغلبن عليك سوء الظن، فإنه لا يدع بينك وبين خليلك صلحا، وذكّ قلبك بالأدب كما تذك النار بالحطب. كفر النعمة لؤم، وصحبة الأحمق شؤم، واعلم أن الذي بيده خزائن السماوات والأرض قد أذن بدعائك، وتكفّل بإجابتك، وأمرك أن تسأله ليعطيك، وهو رحيم بصير، لم يجعل بينك وبينه من يحجبك عنه، ولم يلجئك إلى من يشفع لك إليه، ولم يمنعك إن أسأت من التوبة، ولم يعاجلك بالنقمة، وفتح لك باب المتاب والأسباب، فمتى شئت سمع دعاءك ونجواك، فأفض إليه بحاجتك، وبث ذات نفسك، وأسند إليه أمورك، ولا تكن مسألتك فيما لا يعنيك، ولا مما يلزمك خباله، ويبقي عليك وباله، فإنه يوشك أن ترى عاقبة أمرك حسنا أو قبيحا.
  واعلم يا بني أنك إنما خلقت للآخرة لا للدنيا، وللبقاء لا للفناء، وللحياة لا للموت، وأنك في منزل قلعة، وطريق إلى الآخرة، وأنك طريد الموت الذي