الحدائق الوردية في مناقب أئمة الزيدية،

حميد بن أحمد المحلي (المتوفى: 652 هـ)

ذكر بيعته #

صفحة 173 - الجزء 1

  فالحمد لله الذي كفاكم مئونة عدوّكم، وقتلة خليفتكم، إن الله بلطفه وحسن صنعه أتاح لعلي بن أبي طالب رجلا من عباده فقتله، وترك أصحابه متفرقين مختلفين، وقد جاءتنا كتب أشرافهم وقادتهم يلتمسون الأمان لأنفسهم وعشائرهم فأقبلوا إليّ حين يأتيكم كتابي بجدكم وجندكم، وحسن عدتكم، فقد أصبتم بحمد الله الثأر، وبلغتم الأمل، وأهلك الله أهل البغي والعدوان، والسلام عليكم ورحمة الله.

  قال: فاجتمعت العساكر إلى معاوية لعنه الله، وسار قاصدا إلى العراق، وبلغ الحسن # خبر مسيره، وأنه قد بلغ جسر منبج فتحرك عند ذلك، وبعث حجر بن عدي يأمر العمال والناس بالتهيؤ للمسير، ونادى المنادي الصلاة جامعة، فأقبل الناس يثوبون ويجتمعون، فقال الحسن #: إذا رضيت جماعة الناس فأعلمني، وجاءه سعيد بن قيس الهمداني، فقال له: اخرج، فخرج الحسن #، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال أما بعد:

  فإن الله كتب الجهاد على خلقه وسماه كرها، ثم قال لأهل الجهاد من المؤمنين: (اصبروا إن الله مع الصابرين) فلستم أيها الناس نائلين⁣(⁣١) ما تحبون إلا بالصبر على ما تكرهون، إنه بلغني أن معاوية لعنه الله بلغه أنا كنا أزمعنا على المسير إليه فتحرك لذلك، اخرجوا رحمكم الله إلى معسكركم بالنخيلة حتى ننظر وتنظروا ونرى وتروا.

  قال: وإنه في كلامه ليتخوّف خذلان الناس إياه قال: فسكتوا فما تكلم أحد منهم ولا أجابه بحرف، فلما رأى ذلك عدي بن حاتم قال: أنا ابن حاتم، بص بص، سبحان الله - ما أقبح هذا المقام! ألا تجيبون إمامكم، وابن بنت نبيكم؟ أين خطباء مصر، أين المتبلّغون، أين الخواصون من أهل المصر؟ الذين ألسنتهم كالمخاريق في الدعة، فإذا وجدوا الجد فروّاغون كالثعالب، أما تخافون مقت الله ولا عيبها وعارها.


(١) في (أ): تنالون.