ذكر بيعته #
  قال فتنادى الناس: الحمد لله الذي أخرجه من بيننا، انهض بنا إلى عدونا، فنهض بهم، وخرج إليهم بسر بن أرطأة في عشرين ألفا فصاحوا هذا أميركم قد بايع، وهذا الحسن قد صالح، فعلام تقتلون أنفسكم؟ قال لهم قيس بن سعد:
  اختاروا إحدى اثنتين: إما القتال مع غير إمام، وإما تبايعون بيعة ضلال، قالوا:
  بل نقاتل بلا إمام، فخرجوا فضاربوا أهل الشام حتى ردّوهم إلى مصافهم.
  فكتب معاوية إلى قيس بن سعد يدعوه ويمنيه، فكتب إليه قيس: لا والله لا تقابلني أبدا إلا وبيني وبينك الرمح، فكتب إليه معاوية أما بعد: إنما(١) أنت يهودي ابن يهودي تشقي نفسك وتقتلها فيما ليس لك، فإن ظهر أحبّ الفريقين إليك نبذك وعزلك، وإن ظهر أبغضهما إليك نكل بك وقتلك، وقد كان أبوك أوتر غير قوسه، ورمى غير غرضه، فأكثر الحزّ، وأخطأ المفصل، فخذله قومه، وأدركه يومه، فمات بحوران طريدا غريبا. والسلام.
  فكتب إليه قيس بن سعد أما بعد: فإنما أنت وثن من هذه الأوثان، دخلت في الإسلام كرها، وأقمت عليه فرقا، وخرجت منه طوعا، ولم يجعل الله لك فيه نصيبا، لم يقدم إسلامك، ولم يحدث نفاقك، ولم تزل حربا لله ولرسوله، وحزبا من أحزاب المشركين، فأنت عدو لله ورسوله والمؤمنين من عباده، وذكرت أبي، ولعمري ما أوتر إلا قوسه، ولا رمى إلا غرضه، فشغب عليه من لا يشق غباره، ولا يبلغ كعبه، وكان امرأ مرغوبا عنه مزهودا فيه، وزعمت أني يهودي ابن يهودي، وقد علمت وعلمنا أنّ أبي من أنصار الدين الذي خرجت منه، وأعداء الدين الذي دخلت فيه وصرت إليه، والسلام.
  فلما قرأ كتابه معاوية غاظه وأراد إجابته، فقال له عمرو: مهلا إن كاتبته أجابك بأشد من هذا، وإن تركته دخل فيما دخل فيه الناس فأمسك عنه، قال:
  وبعث معاوية عبد الله بن عامر، وعبد الرحمن بن سمرة إلى الحسن # للصلح
(١) في (ج): فإنما أصلك.