ذكر طرف من مناقبه #:
  تلك العوسجة حتى صارت أعظم دوحة عادية رأيتها، وقد شذب الله شوكها، وساخت عروقها واخضرّ ساقها وورقها، ثم أثمرت بعد ذلك وأينعت بثمر أعظم ما يكون من الكمأة في لون الورس المسحوق، ورائحة العنبر، وطعم الشهد، والله ما أكل منها جائع إلا شبع، ولا ظمآن إلا روي، ولا سقيم إلا بري، ولا أكل من ورقها بعير ولا ناقة ولا شاة إلا درّ لبنها، ورأينا النما والبركة في أموالنا منذ نزل رسول الله ÷، وأخصبت بلادنا وأمرعت، فكنا نسمي تلك الشجرة: المباركة، وكان من ينتابنا من حولنا من البوادي يستشفون بها، ويتزودون من ورقها، ويحملونها معهم(١) في الأرض و(٢) القفار، فيقوم لهم مقام الطعام والشراب، فلم نزل كذلك وعلى ذلك حتى أصبحنا ذات يوم وقد تساقط ثمرها، واصفر ورقها، فحزنا لذلك وفزعنا له فما كان إلا قليلا حتى جاء نعي رسول الله ÷، فإذا هو قد قبض في ذلك اليوم، فكانت بعد ذلك تثمر دونه في الطعم(٣) والعظم والرائحة، وأقامت على ذلك ثلاثين سنة، فلما كان ذات يوم أصبحنا فإذا بها قد أشوكت من أولها إلى آخرها، وذهبت نضارة عيدانها، وتساقط جميع ثمرها، فما كان إلا يسيرا حتى وافانا مقتل أمير المؤمنين #، فما أثمرت بعد ذلك قليلا ولا كثيرا، وانقطع ثمرها، ولم نزل ومن حولنا نأخذ من ورقها ونداوي به مرضانا، ونستشفي به من أسقامنا، فأقامت على ذلك مدة وبرهة طويلة، ثم أصبحنا وإذا بها يوما قد انبعث من ساقها دم عبيط جار، وورقها ذابل يقطر ماء كماء اللحم، فعلمنا أن قد حدث حدث عظيم، فبتنا فزعين مهمومين نتوقع الداهية، فأتانا بعد ذلك قتل الحسين بن علي @، ويبست الشجرة
(١) في (أ): ساقطة معهم.
(٢) في (ج): بدون واو.
(٣) في (ج): ساقطة الطعم.