أولاده #:
  فمضى لوجهه ولم يشعر هرثمة حتى قرب منه، وحمل أبو السرايا عليه، فصاح هرثمة: يا أهل الكوفة، علام تسفكون دماءنا ودماءكم؟ إن كان قتالكم إيانا كراهة لإمامنا فهذا المنصور بن المهدي رضا لنا ولكم نبايعه، وإن أحببتم إخراج الأمر من ولد العباس فانصبوا إمامكم، واتفقوا معنا ليوم الاثنين نتناظر فيه، ولا تقتلوا أنفسكم، فأمسك أهل الكوفة عن الحملة، وناداهم أبو السرايا:
  ويحكم إن هذه خديعة من هؤلاء الأعاجم، وإنما أيقنوا بالهلاك فاحملوا عليهم، فامتنعوا وقالوا: لا يحل لنا قتالهم وقد أجابوا، فغضب أبو السرايا وانصرف معهم وقد أراد قبل ذلك إجابة هرثمة، وأن يمضي إليه مع محمد بن محمد بن زيد فيستأمن، ثم خشي الغدر به، فلما كان في يوم الجمعة خطب أهل الكوفة، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: يا أهل الكوفة، يا قتلة علي، ويا خذلة الحسين، إن المغتر بكم لمغرور، وإن المعتمد على نصركم المخذول، وإن الذليل لمن أعززتموه، والله ما حمد عليّ أمركم فنحمده، ولا رضى مذهبكم فنرضى به، ولقد حكّمكم عليه، وائتمنكم فخنتم أمانته، ووثق بكم فحلتم عن ثقته، ثم لم تنفكوا عليه مختلفين، ولطاعته ناكثين، إن قام قعدتم، وإن قعد قمتم، وإن تقدّم تأخرتم، وإن تأخر تقدمتم، خلافا عليه وعصيانا لأمره، حتى سبقت فيكم دعوته، وخذلكم الله بخذلانكم إياه، أي عذر لكم في الهرب عن عدوكم، والنكول عمن لقيتم؟ وقد عبروا خندقكم وعلوا قبائلكم، ينتهبون أموالكم، ويجتاحون حريمكم، هيهات لا عذر إلا العجز والمهانة، والرضا بالصغار والذلة، إنما أنتم كفيء الظل تهزمكم الطبول بأصواتها، وتملأ قلوبكم الخرق بسوادها، أما والله لأستبدلن بكم قوما يعرفون الله حق معرفته، ويحفظون محمدا في عترته، ثم قال:
  وما رست أقطار البلاد فلم أجد ... لكم شبها فيما وطئت من الأرض
  خلافا وجهلا وانتشار عزيمة ... ووهنا وعجزا في الشدائد والخفض
  لقد سبقت فيكم إلى الحشر دعوة ... فلا عنكم راض ولا فيكم مرضي