الحدائق الوردية في مناقب أئمة الزيدية،

حميد بن أحمد المحلي (المتوفى: 652 هـ)

ذكر نكت من كلامه #:

صفحة 12 - الجزء 2

  فاستنفرته إلى السخط مرة وإلى الرضى أخرى، فأسرف في الخلتين⁣(⁣١) ومال عن النجدين، فأين مستقر القديم منه⁣(⁣٢)؟ حيث لم يدرأ عنه النوازل الممضّة، والآفات العارضة، ويستدعي لنفسه بدرأته لذلك عاجل السلوة، وينفي عنها نوادر الشقوة، ويعاود ما يديم له السرور، ويدفع عنه المحذور، ولو ألهم نفسه أحسن ما يلهم لزاح عنه خاطر الهم، ولم يعدم محمود العاقبة وعلو الذكر في القيام، والصوت الرفيع في محافل الأقوام، ولا قصّر عن شقشقته وشهد بالفضل المزائل⁣(⁣٣) طريقته، ولكنه لم يحم أنفه، وقلّ عن مزايلة ما تهواه نفسه إلفه، فامتشجت⁣(⁣٤) الأدواء في آرابه، واستلبته رصين آدابه، فابتغى السلامة من غير جهتها، والراحة بعد فوتها، كلا لن يكون فرع من غير أصل، ولا جود إلا ببذل، ولا زكا مخلوق إلا بفضل يجشّم فيه نفسه المجهود، ويستدعي لهابه⁣(⁣٥) الثناء المحمود، ويجنبها الموبقات والشهوات المرديات، وليس من نفس إلا وهي تراود صاحبها على الهوى، وتدعوه إلى موارد الردى، فمن أعطاها زمامه أركبته ردعه⁣(⁣٦).

  ومن منعها ما تهوى فاز بالرغبا، ففي هذا لكم يا بني بيان ومعتبر. ومن لم يستظهر بالحزم على مداق الأخلاق ودناءتها، ويزجر النفس عن شهواتها، قصر دون رميته، ولم يدرك الثناء الذي سما إليه بأمنيته.

  ومن أحب أن تخضع له غلب الرقاب، ويقل في طاعته الارتياب، وينتهى عن أمره ونهيه، ويقتدى برأيه، فليأصر⁣(⁣٧) نفسه من ذلك على ما يريده من غيره،


(١) في (أ) في الخلين.

(٢) في (أ) فيه.

(٣) في (أ) المزائل.

(٤) أي: اختلطت.

(٥) اللهاب: اشتعال النار، إذا خلص من الدخان. قاموس ١٧٣.

(٦) الردع: بمعنى الكف أو المنع.

(٧) الأصر: الحبس. قاموس ٤٣٨.