الحدائق الوردية في مناقب أئمة الزيدية،

حميد بن أحمد المحلي (المتوفى: 652 هـ)

ذكر نكت من كلامه #:

صفحة 23 - الجزء 2

  الله في العلم من النور. واعلموا أن من أبواب ذلك ومفاتيحه، وأضواء ضياء نوره ومصابيحه، إخلاص العمل لله، وصدق التوكل على الله، وسبب الطريق إليها وعون من أراد ما فيها حسن الفكر في الدنيا وفنائها، وتقلب سرّائها وضرّائها، وفي حال جميع ما فيها من ملوك الأمم خاصة، ومن دونهم من الخلق جميعا عامة، فإنكم إن تفكرتم فتروا بعين الفكرة، وتبصروا أنهم جميعا منها - وإن اختلفت حالهم فيها من السعادة والشقاء قد غشيهم من همومها كأمثال الجبال، ورمت بهم من غمومها في مثل لجج البحار، فالملك في شغل من ملكه، والمملوك في سطوة مالكه، والمكثر من إكثاره، والمقلّ من إقلاله، ولن يحاط بوصف أحزانها وأوجاع غموم سكانها⁣(⁣١).

  وقال #: فكم بالدنيا من غريق في لجج البحار، وكم فيها ولها من مبتلى بقتل أو أسار، وكم لطالبها، وإفراطه في حبها من ميت غريب ناء عن الولد والأوطان، بين غتم⁣(⁣٢) لا يعرفونه، وطماطم⁣(⁣٣) من السودان ينكرونه، لم يبكه هناك ولده ولا أقاربه، ولم تأسف عليه - كما أسف عليها - دنياه، بل تخلوا جميعا منه، وأعرضوا سريعا عنه، فورثوه غير حامدين له فيما جمع، وأسلموه إذ مات لما عمل وصنع، ولعل قائلا منهم أن يقول: ما كان أفحش حرصه وإيعاثه⁣(⁣٤)! أو قائلا منهم يقول: ما أقل أو ما أكثر تراثه! تلعبا بذكره، وتفكها في أمره، فاعرضوا هذا رحمكم الله على قلوبكم، لأن ينجلي لكم إن شاء الله ما فيها عن الدنيا من العمى، وانظروا إلى من زالت عنه القدرة من أبناء الملوك


(١) انظر مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم ٢/ ٣٤٧ - ٣٤٨.

(٢) في (أ) عتم. الأغتم: البليد. ينظر مختار الصحاح ص ٤٦٩.

(٣) الطماطم: جمع طمطم وهو الذي في لسانه عجمة.

(٤) بمعنى الحبس والصرف. القاموس ٢٢٧.