ذكر طرف من مناقبه وأحواله #
  والمناذرة!؟ وترتهم الواترة، فردوا في الحافرة، وطرحوا في الساهرة، فباءوا بصفقة خاسرة، وتجارة بائرة، فأصبحت قبورهم عامرة، وقصورهم داثرة، فهل يأمن الدنيا بعدهم لبيب أو يسكن إليها أريب(١).
  ومن كلامه # في صفة الجنة: فيها قصور مشيدة، وقباب معمدة، وعقود مكللة، وخيام مجللة، وأنهار مطردة، وحدائق متسردة مشيدة بالذهب والفضة، معمدة بالياقوت الأحمر، والزبرجد الأخضر، واللؤلؤ والجوهر، طينها من المسك والعنبر، فكيف يصف الواصفون وصفا قال الجبار القادر(٢) كن فكان، هل يزهد فيها زاهد، أو يرقد عنها راقد، وأما النار فالنار غضب في غضب، ولهب يعلوه لهب، وأدراك متناهية في الهبوط، ونقم دائمة السقوط، لا يرحم باكيها، ولا يشكا شاكيها، كلما نضجت جلودهم بدلها الباري(٣) جلودا غيرها ليذوقوا العذاب، فلم ينام هاربها ويرد نصيحة المخوف منها.
  ومن كلامه #: في هذا الكتاب قوله: إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة، فكيف يعمل لها مع إدبارها عمل المستقبلين، أو كيف يركن إليها الحاضر الفطين، وقد خلت لنا فيها المثلات بأبنائها الفارطين، ولقد عابنا من إدبارها عن المقبلين عليها رؤية عين اليقين، فكم لها من ضريب وطعين، وطريح ودفين، أبدت لنا محاسنها الفتانة، وتدثرت بالعفة والأمانة، حتى إذا تمكنت مخالب حبها في شغاف قلبه، وألب ودها بلبه قلبت له ظهر المجن، وجرعته كئوس المحن، فأضرمت عليه نيران الفتن، وقلبته لوجهه حيران، وأهبطه العشا منها على سرحان، فخان فيمن خان، ودين بما دان، وقيل كان وما كان، فلم تغنه الأحزان(٤)، ولا ترفع منه
(١) حديقة الحكمة النبوية ١٢٠ - ١٢١.
(٢) في (أ): أمرا قال له الملك الجبار: ... .
(٣) في (أ): بدلناهم جلودا.
(٤) في نسخة فلم يعنه الأخوان.