الحدائق الوردية في مناقب أئمة الزيدية،

حميد بن أحمد المحلي (المتوفى: 652 هـ)

ذكر طرف من مناقبه وأحواله #:

صفحة 55 - الجزء 1

  لقد رأيته في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، ممثّلا في محرابه، قابضا على لحيته، يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، وكأني أسمعه الآن وهو يقول: يا ربنا يا ربنا يتضرع إليه، ثم يقول للدنيا: أبي تعرّضت، أم بي تشوّقت، هيهات هيهات غرّي غيري لا حان حينك، قد بتتّك ثلاثا، فعمرك قصير، وخطرك كبير، آه آه من قلة الزاد، وبعد السفر، ووحشة الطريق، قال: فوكفت دموع معاوية على لحيته ما يملكها، وجعل ينشفها بكمّه، وقد اختنق القوم بالبكاء، فقال: كذا كان أبو الحسن فكيف وجدك عليه يا ضرار؟ قال:

  وجد من ذبح واحدها في حجرها، لا ترقأ دمعتها، ولا يسكن حزنها، ثم قام فخرج⁣(⁣١).

  وروينا عن زيد بن علي @ قال: اجتمع نفر من قريش فيهم علي ابن أبي طالب # فتفاخروا، فقالوا شيئا من الشعر حتى انتهوا إلى علي بن أبي طالب # فقالوا: يا أبا الحسن قل فقد قال أصحابك، فقال #:

  الله أكرمنا بنصر نبيه ... وبنا أقام دعائم الإسلام

  وبنا أعزّ نبيه وكتابه ... وأعزّه بالنّصر والإقدام

  في كل معترك تطير سيوفنا ... فيها الجماجم من قراح الهام

  ينتابنا جبريل في أبياتنا ... بفرائض الإسلام والأحكام

  فنكون أوّل مستحلّ حلّه ... ومحرّم لله كل حرام

  نحن الخيار من البرية كلها ... ونظامها وزمام كل زمام

  الخائضوا غمرات كل كريهة ... والضامنون حوادث الأيام

  والمبرمون قوى الأمور بعزمهم ... والناقضون مرائر الإبرام

  سائل أبا كرب وسائل تبّعا ... عنا وأهل العير والأزلام

  إنا لنمنع من أردنا منعهم ... ونجود بالمعروف والإنعام


(١) حلية الأولياء ١/ ١٢٦ رقم ٣٦١، والاستيعاب ٣/ ٢٠٩ وصفة الصفوة.