الحدائق الوردية في مناقب أئمة الزيدية،

حميد بن أحمد المحلي (المتوفى: 652 هـ)

فصل نختم به الكتاب

صفحة 357 - الجزء 2

  السبيل الواضحة، والأعلام اللائحة، واستبدل بالنور ديجورا، وترك مسكا وكافورا، واعتمد أمرا كان الأولى به أن يكون مهجورا، ولم يرتض بأن يصير ممن جعل الله بين يديه نورا، ومن خلفه نورا، إنّ مذاهب العترة الهادية أخذها الآخر عن الأوّل بالبرهان، وأسندوها إلى من نزل عليه الفرقان، واصطفي على كل انس وجان، فأنوارها تغشي أبصار ذوي الإلحاد، وبراهينها تشجي حلوق الأضداد، وأدلتها تقشع سحب الشكوك، وتوضّح لطالب الرشد مناهج السلوك، وترفعه في الآخرة إلى منازل الملوك، فتنوّر بأنوار هدايتهم المشرقة، وارتع في رياض حلومهم المزهرة المؤنقة، واقتطف من دوحاتهم المثمرة المورقة، فإن ثمارها دانية، وأنهارها جارية، سارت مناقبهم مسير الشمس والقمر، وتعلّت إلى من بدا وحضر، هذا على أن بني أمية وبني العباس قد جهدوا في دفن مكارمهم وطمس معاليهم ومفاخرهم، فما منعها ذلك عن الانتشار، وكيف تستر شمس النهار، ولقد كانوا يجاهرونهم بإظهار مناقب العترة $، كما روي أن هشام بن عبد الملك بن مروان حجّ في خلافة أخيه سليمان سنة من السنين فلمّا كان بالبيت زوحم على الركن، فكلّما همّ باستلامه رجع إلى موضع مصلاه وسلّم من خلف المقام، واجتمع عنده عدّة من الناس وفيهم الفرزدق الشاعر فينظر هشام بن عبد الملك زين العابدين صاحب السجادة ذا الثفنات علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب $ وهو يطوف كلما بلغ الركن انفرج عنه الناس وخلّي له حتى يستلمه، فأغضب ذلك هشاما وغار على زين العابدين # وهمّ بالاستهزاء به والاستخفاف فقال: من هذا؟ فقال الفرزدق:

  هذا الّذي تعرف البطحاء وطأته ... والبيت يعرفه والحلّ والحرم

  هذا ابن خير عباد اللّه كلّهم ... هذا التقيّ النقيّ الطاهر العلم

  يكاد يلثمه عرفان راحته ... ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم