(وقعة الجمل)
  ابن آكلة الأكباد قال: كذا وكذا، وقد أجاب عنكم صاحبكم النعمان بن بشير، ولعمري لأن وترتموه في الإسلام لقد وترتموهم في الجاهلية، وأنتم اليوم مع ذلك اللواء الذي كان يقاتل جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره، والقوم يقاتلون مع لواء أبي جهل والأحزاب، وقال قصيدة يذم معاوية أولها:
  يا ابن هند دع التوثب في الحر ... ب إذا نحن في الحروب دنونا
  ثم خرج من الغد وحمل عليهم وأثّر أثرا منكرا حتى قال معاوية: إذا رأيتم هذا الرجل فاحترسوا عنه فإنه الأسد الضرغام.
  وروينا بالإسناد عن ابن عباس ¥ قال: ما رأيت رئيسا كأمير المؤمنين علي #، ولقد رأيته يوم صفين وعلى رأسه عمامة بيضاء، وكأنّ عينيه سراجا سليط وهو يحمش أصحابه إلى أن انتهى إليّ وأنا في كثف من المسلمين، فقال معشر المسلمين: استشعروا الخشية، وتجلببوا السكينة، وأخملوا اللّوم، وأخفوا الجبن(١)، وأقلقوا السيوف في الغمد قبل السلة، والحظو الشّزر، واطعنوا النثر، ونافحوا بالظبا، وصلوا السيوف بالخطا، وامشوا إلى الموت سجحا، وعليكم بالرواق المطنّب فاضربوا ثبجه، فإن الشيطان راكد في كسره، نافج حضنيه، مفترش ذراعيه، قد قدّم للوثبة يدا، وأخّر للنكوص رجلا.
  وروينا أنه كان لمعاوية مولى يقال له: حريث. وكان من أشجع الناس وأشبههم بمعاوية، وكان إذا حمل أيام صفين قال الناس: حمل معاوية، وكان لا يقوم له قائم، وكان معاوية مسرورا بموضعه، فقال له يوما: يا حريث، بارز كل من بارزك، وقاتل كل من قاتلك، إلا عليّا فإنه لا طاقة لك به، فحسد عمرو ابن العاص حريثا، لما يظهر من نجدته وبسالته فقال له: يا حريث، إن معاوية نفس عليك بقتل عليّ، لأنك عبد، ولو كنت عربيا وذا شرف لرضيك لهذا الأمر
(١) في (ب، ج): واعملوا اللؤم وأخفوا الجنن.