(وقعة الجمل)
  والمنزلة، فإن قتلت عليا انصرفت براية الفخر، وأعلى ذروة الشرف، فعمل في حريث قول عمرو. فلما برز علي # أحجم الناس عنه، فتقدم إليه حريث، فضرب عليّا # ضربة لم تؤثر فيه، وضربه علي # فقتله، فاتصل الخبر بمعاوية فقلق وجزع، وقال: من أين أتى حريث وقد كنت حذّرته عليا، ومنعته من قتاله؟ فقيل: إن عمرا أشار عليه بذلك، فأنشأ معاوية يقول:
  حريث ألم تعلم وعلمك ضائع ... بأن عليا للفوارس قاهر
  وأن عليا لم يبارزه واحد ... من الناس إلّا أقعصته الأظافر
  أمرتك أمرا حازما فعصيتني ... فخدك إذا لم تقبل النصح عاثر
  ودلّاك عمرو والحوادث جمّة ... فلله ما جرّت عليك المقادر
  وظن حريث قول عمرو نصيحة ... وقد يهلك الإنسان ما لا يحاذر
  وخرج المخارق بن عبد الرحمن من أصحاب معاوية، فقتل أربعة من أصحاب أمير المؤمنين #، وكشف عوراتهم، واحتز(١) رؤوسهم، فتنكر عليّ #، وخرج فقتل ثمانية نفر من أصحاب معاوية واحتز رؤوسهم، ولم يكشف العورة، فقال معاوية لغلام له بطل: اكفني هذا الرجل، فقال: إني أرى رجلا لو برز إليه جميع عسكرك لأفناهم، ولم يخرج، فجال علي # ساعة ثم رفع المغفر وقال:
  أنا أبو الحسن. وخرج مولى لعثمان يقال له: أحمر للمبارزة، فخرج إليه كيسان مولى لعلي # فحمل عليه أحمر فقتله، فقال علي #: قتلني اللّه إن لم أقتلك، فحمل عليه فاستقبله أحمر وهو لا يعرفه فمدّ علي # يده إليه وقبض على ثوبه فضرب به الأرض وكسر منكبه وأضلاعه.
  وحمل أمير المؤمنين # في بعض المواقف على عمرو بن العاص فأسقطه عن فرسه فرفع عمرو رجله وأبدى عورته، فأعرض عنه أمير المؤمنين ورجع.
  ومعاوية يضحك فقال: مم تضحك؟ فقال: منك ومن علي، واللّه لقد وجدته
(١) في (ج): وأكب يحتز.